بعض آليات المحاججة في الخطاب الفلسفي – ذ علي سكاك

كثيرا ما ينعت الخطاب الفلسفي بكونه خطابا حجاجيا بالأساس كونه يتوخى الإقناع، وهذا ما نلامسه في استعراض تصورات الفلاسفة إزاء قضايا وإشكالات معينة، حيث يحاول كل فيلسوف وكل خطاب فلسفي، تأكيد موقفه عبر تدعيمه من خلال سلسلة من مختلف الآليات الحجاجية التي يعتمدها ليحملنا على صحة اطروحته. لهذا ننبري في مجال الفلسفة الى تحديد قيمة رأي فلسفي ما وحدوده تبعا لمدى اقتناعنا بحجاجه… وهذا لا يعني ان الخطاب الفلسفي خال تماما من البرهان فقد نجد فيلسوفا يزاوج بين البرهان والحجاج الطبيعي في عرض أرائه.

وفي ما يأتي بعض الفروقات بين الحجاج والبرهان ؛

  • ان الحجاج ينتمي الى اللغة الطبيعية التي تقبل النسبة والإحتمال والبرهان ينتمي الى اللغة الصورية( المنطق – الرياضيات) ؛
  • الحجاج يستهدف التأثير والإقناع  بينما البرهان يتوخى تحديد الصواب او الخطأ-
  • الحجاج أسسه الرأي بينما البرهان  أساسه الحقيقة…

انطلاقا من بعض خصائصهما هذه، يمكن تعريف الحجاج إذن وبإيجاز على أنه مجموعة من التقنيات الخطابية التي تنتمي الى اللغة الطبيعية وتستهدف التأثير في المستمع- المخاطب. بينما البرهان؛ يعرفه المنطقيون على أنه قياس مؤلف من  مقدمات يقينية، في حين يعرفه الرياضيون على أنه ما يثبت قضية من مقدمات مسلم بها[1]. وسأورد في ما يلي بعض الآليات الحجاجية المعتمدة في الخطاب الفلسفي:

الاستدلال: عملية  التفكير التي يستنتج من خلالها العقل قضية جديدة تسمى نتيجة من قضية اخرى او عدة قضايا تسمى مقدمات وفق قواعد تسمى قواعد لإستدلال. وهناك نوعان من الاستدلالات: استدلال مباشر واستدلال غير مباشر؛ أما الاستدلال المباشر  هو عملية فكرية  تستخرج من خلالها قضية جديدة من قضية واحدة فقط، بينما الاستدلال الغير المباشر هو انتقال الذهن من قضيتين أو اكثـر يلزم عن هذا الإنتقال الحصول على نتيجة. ومن صيغ هذا الاستدلال ؛ الاستدلال القياسي او مايسمى القياس المنطقي(كل المعادن تتمدد بالحرارة- الحديد معدن= الحديد يتمدد بالحرارة) وهناك انواع  عدة من الاستدلالات  منها: (الاستدلال السببي/ الاستدلال بالخلف/ الاستدلال الجدالي/ الاستدلال الاستقرائي..) مع الأخذ بالأهمية أن الاستدلال قد يكون برهانيا يتميز بالصرامة المنطقية وقد يكون حجاجيا مجاله الإحتمال وما هو ممكن.

التــلازم المنــــطقي: إثبات قضية ما من خلال شرط منطقي يدخل في تكوينها ويستحيل فصلها عنه.

التفكيك والتقـسيم: آلية حجاجية منطقية يستهدف بها الفيلسوف  تفكيك قضية ما أو مفهوم ما الى العناصر المكونة له.

التوجـيه الإلزامي: صيغ للأمر ؛كثـيرا ما وردت في كتابات المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين( قول ابن خلدون؛ اعلم ان فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية…)

التقابل/ المقابلة:  إبراز اوجه الإختلاف او التعارض او التضاد بين شيئين – فكرتين او اكثر

المقارنة: ابراز اوجه التماثل او الإختلاف بين مفهومين أو واقعتين…

  • الهدف من عقد مقارنة او إجراء تقابل هو استخلاص حكم معين في الأخير.

الدحض: عندما يعمد فيلسوف او مفكر ما الى تفنيد واظهار تهافت ولا معقولية فكرة او اطروحة ما، تمهيدا ليؤسس على انقاضها اطروحته

التشبه: ينعت التشبيه على أنه عقد مما ثلة بين أمرين أو أكثـر قصد اشرا كهما في صفة أو أكثـر بأداة لغرض المتكلم[2]. وللتشبيه اربعة أركان هي: المشبه- المشبه به- اداة التشبيه- وجه الشبه.

الإستعارة:  هي تشبيه حذف احد أركانه( المشبه او المشبه به) وهي  قسمان: تصريحية ومكنية

الأمثولة / التمثيل: وسيلة تعبيرية  ينهجها الكاتب- الفيلسوف حين يجد أن أفكاره قد  تستعصي على إدراك المتلقي، فيعمد الى تقديمها بصورة رمزية أو في شكل تجسيد مقصود يستهدف الإيضاح والإفهام والتأكيد، وقد تكون الأمثولة قصة رمزية متخيلة )أسطورة الكهف عند أفلاطون-   اسطورة سيزيف عند ألبير كامو).

المـثال: يستهذف المثال توضيح وإفهام  أفكار معينة تتسم بالتجريد غالبا وذلك بنقلها من مستواها المجرد وتشخيصها على المستوى الواقعي[3] ( مثال: الحجرة التـي تدفعها العوامل الخارجية.. عند اسبينوزا- او قول منتسكيو،يجب ان يكون القانون مثل الموت الذي لا يستثني احدا)

المماثـلة: هي ضرب من التشبيه فإذا كان التشبيه يفيد إقامة تشابه بين حدين، عندما نقول مثلا:( الأمير كالأسد في القوة، فإن المماثلة تعني إقامة تشابه بين علاقتين تربط بينهما ادة تشبيه[4].(مثال:  قول فرويد: ان علاقة الأنا بالهو كعلاقة الفارس بمطيته)

الحجة بالسلطة او المنـفعة: إذا كنت الحجة بالسلطة هي إستدعاء الفيلسوف لأقوال مأثورة او ذات تقل  سواء من المجال العلمي او الفلسفي او  الديني… فإن الحجة بالمنفعة هي  لجوء الفيلسوف إلى تبيان المميـزات او  النتائج الإيجابية او السلبية المترتبة عن فكرة ما، وكذلك الأثار العملية ذات المنفعة لفكرة من أفكاره.

    جدير بالأهمية القول أن هناك جملة من الأساليب الأخرى التي يجب ان يلتفت اليها المتعلم، سواء اكانت بلاغية ام لغوية..؛ كالترجيح/ التعريف/ النفي/ التأكيد والإقرار/ الإستنتاج/ العرض/ التفسير/ الجرد والإحصاء/ المجاز…

الإحالات والهوامش

[1] عبد العالي قادان بلاغة الإقناع، دار كنوز المعرفة، عمان، ط1،2016، ص:20.

[2] الهاشمي السيد أحمد، جوهر البلاغة، ضبط وتدقيق وتوثيق يوسف الصميلي، المكتبة العصرية،صيدا بيروت،ص:247 بتصرف.

[3] العبيوي خالد، ديداكتيك مادة الفلسفة، دار ابي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى 2022، ص: 245 بتصرف.

[4] العبيوي خالد، نفس المرجع السابق،ص242

ذ علي سكاك / أستاذ مادة الفلسفة / مديرية: الفقيه بن صالح

 

إغلاق