محور معرفة الغير – مفهوم الغير

  • المادة: مادة الفلسفة
  • المستوى: الثانية باكالوريا
  • المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم: مفهوم الغير

المحور الثاني : محور معرفة الغير

تأطير وتقديم محور معرفة الغير

لم تهتم الفلسفة بالإنسان كذات فقط، وإنما بالإنسان كغير أيضا. ولو أردنا تعريف الغير فسنجد أنه يعني ذلك الأنا الذي ليس أنا ولست إياه، يشبهني ويختلف عني كما قال الفيلسوف جان بول سارتر. ومضمون هذا القول، أن هناك تشابها بين الذات والغير، فالغير عبارة عن ذات إنسانية أخرى، ذات تتمتع بالوعي والإرادة والحرية، لكنه يختلف عن الذات من حيث ميولاته ومشاعره وأهوائه وذوقه وثقافته…. هذا الاختلاف بين الذات والغير يقودنا إلى طرح جملة من الإشكالات من بينها إشكال معرفة الغير،  وبشكل خاص إن كان بإمكان الذات معرفة وإدراك الغير كذات أخرى وكوعي، وإدراك عالمه الداخلي وحياته النفسية، وإن كان بالإمكان معرفته كذات وليس كموضوع، وإن كانت معرفته تتم عبد الإسقاط أم عبر التواصل أم عبر وسيلة أخرى. وبناء على ما سبق يمكن بسط التساؤلات والإشكالات الفلسفية التالية:

ما الغير وما المعرفة؟ وهل يمكن معرفة الغير ؟ بتعبير آخر، هل يمكن للذات معرفة التغير باعتباره ذاتا أخرى ، ومعرفة عالمه الداخلي وحياته النفسية، أم أنه معرفته تبقى أمرا مستحيلا؟ وإن كانت معرفة الغير أمرا ممكنا، فما طبيعة تلك المعرفة، هل هي معرفة يقينية أم مجرد معرفة تخمينية افتراضية، وكيف تتحقق تلك المعرفة؟ وإن كانت معرفة الغير مستحيلة، فما العوائق التي تحيل دون معرفته؟

تعريف مفهوم الغير ومفهوم المعرفة

لابد قبل الإجابة على التساؤلات والإشكالات التي يطرحها مفهوم الغير، وقبل الإجابة عن التساؤلات المرتبطة بإشكال معرفة الغير أن نعرف مفهوم الغير ومفهوم المعرفة.

مفهوم الغير:

يدل الغير على ذلك الأنا الذي ليس أنا ولست إياه على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي سارتر. وبالتالي فالغير هو ذات إنسانية أخرى تتميز بالفكر والحرية الإرادة… ويختلف مفهوم الغير AUTRUI عن مفهوم الآخر AUTRE فهذا الأخير يطلق على الإنسان والأشياء أيضا، فنقول ثوب آهر، رجل آخر.

مفهوم المعرفة

تعني المعرفة الإدراك ، وتعني ذلك النشاط العقلي الذي تتمثل من خلاله الذات العارفة موضوعا. وتتعدد أشكال المعرفة فمنها المعرفة الفلسفة ومنها المعرفة العلمية…

مواقف وتصورات وأطروحات فلسفية في موضوع معرفة الغير

نيكولا مالبرانش: معرفة الغير مجرد معرفة افتراضية غالبا ما تخطئ.

معاينة نص مالبرانش

يؤكد نيكولا مالبرانش، أن معرفة الغير تبقى مجرد معرفة تخمينية افتراضية غالبا ما تخطئ. ففي كتابه في البحث عن الحقيقة، يرى مالبرانش  أننا لن نخطئ إن نحن أصدرنا على الغير أحكاما مثل كونه يعلم أن أربعة هي حاصل ضرب إثنين في إثنين، أو كونه يحب أن يكون عادلا عوض أن يكون غنيا، أو أنه يحب الخير و اللذة ويكره الشر أو الألم. لكن، بما أن الجسد له دور في إصدار أحكام على ذواتنا، فنحن غالبا ما نخطئ إذا أصدرنا نفس تلك الأحكام على الغير. ومن بين الأمثلة التي يقدمها مالبرنش لتوضيح ذلك، هو الشعور بالحرارة، أو إبصار مقدار ما أو لون ما، أو شم رائحة عند الاقتراب من جسم ما، فهنا يتدخل الجسد، والغير لا يعيش نفس التجربة، فقد لا يشعر بنفس مقدار الحرارة، ولا يبصر نفس المقدار، ولا يشم نفس الرائحة، وهكذا فالغير لا يشبهنا، ولا يشعر بنفس ما نشعر به، وبالتالي لا يمكن أن نسقط ما نشعر به عليه، وحين نصدر حكما عليه بأنه يشعر بنفس ما نشعر به، فغالبا ما يخطئ حكمنا هذا.

غاستون بيرجي: معرف الغير معرفة مستحيلة

معاينة نص بيرجي

يرى الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرجي أن معرفة الذات للذات الأخرى تبقى معرفة مستحيلة. وينطلق بيرجي لتأكيد هذا الموقف، من الإقرار بأن الذات تعيش تجربة “الحميمية” أي تعيش علاقة بينها وبين ذاتها، وهذه العلاقة لا يمكن أن يقتحمها الغير، ليؤكد أن هذه الحميمية بين الذات وذاتها تقف عائقا أمام كل تواصل مع الغير. في ذات السياق يؤكد بيرجي أن “أبواب عالم الآخرين موصدة في وجهي وعالمهم منغلق بقدر انغلاق عالمي أمامهم”. وهنا يتضح كيف أن الفيلسوف يؤكد أن بين الذات والذات الأخرى، جدارا سميكا يستحيل تجاوزه واختراقه. ولتوضيح هذا القول يستعين بيرجي بمثال تجربة وجدانية، وهي تجربة الألم ليبين كيف أن الذات لا يمكنها أن تستحضر أو أن تحيا نفس تجربة الغير، يقول بيرجي: “عندما يتألم صديقي، يمكنني، بكل تأكيد، مساعدته بفعالية، ومواساته بكلامي، ومحاولة تعويض الألم الذي يمزقه بلطف. غير أن ألمه يبقى رغم ذلك، ألما برانيا بالنسبة لذاتي. فتجربة الألم تظل تجربته الشخصية هو وليست تجربتي أنا“.  

موقف  ماكس شيلر : معرفة الغير معرفة ممكنة

معاينة نص شيلر

على عكس التصورات التي ترى الأنا، أنا وحدية، أي الأنا في حالة انعزاليته ووحدانيته، والتي يمثلها كل من ديكارت ومالبرانش، يتصور الفيلسوف الألماني ماكس شيلر أن معرفة الغير ممكنة، شريطة الوعي بأنه ليس عبارة عن مستويين متعارضين، واحد خارجي والآخر داخلي، وإنما اعتباره وحدة متكاملة  يعتبر فيها المظهر الخارجي صورة مطابقة للإحساس الداخلي، وبذلك فإن ما يتبدى على الغير من ملامح خارجية تعكس بالضرورة إحساسات داخلية مماثلة لها.

ففي كتابه “طبيعة التعاطف وأشكاله“، ينطلق شيلر إلى القول بأن معرفة الغير، لا تتم إلا من خلال آلية التعاطف الوجداني التي تجعل الذات تسعى إليه وتفهمه، مع علمها المسبق بأنها لن تتألم ولن تفرح فرحه، لأنها لن تكون هي الغير، ومع ذلك يمكنها أن تتألم وتفرح معه، وأن تقترب منه عبر اقترابها من نفسها، باعتماد نوع من النقل الداخلي للخبرة الوجدانية…

يقول ماكس شيلر: “من المحقق أننا نعتقد بأننا ندرك مباشرة في ابتسامة إنسان آخر فرحه، وفي دموعه حزنه وتألمه، وفي احمرار وجهه خجله، في يديه المتوسلتين دعاءه، وفي حنان ناظريه حبه، وفي صرير أسنانه حنقه وغضبه، وفي حركة جماع يده المتوعدة رغبته في الإنتقام، وفي كلامه نفس المعنى الذي يريد قوله… ويؤكد هنا ماكس شيلر، بأننا يمكننا من خلال التعبير الطبيعي للغير (الابتسامة مثلا) أن ندرك حياته الفسية (الفرح مثلا).

موقف موريس ميرلوبونتي

على خلاف النزعات التي تدعي أن معرفة الغير لا يمكن أن تكون يقينية، يرى الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي أن وجود الذات يكون لاغيا إن لم يكن يقصد الغير، وأن معرفة الذات الغير هي معرفة قادرة على النفاذ إلى أعماق الغير والتواصل معه.

موقف إدموند هوسرل

يرى الفيلسوف الألماني أن إدموند هوسرل أن إدراك لذوات نفسية طبيعية، لها جسم مثل جسمي، ونفس مثل نفسي، إن هذا الإدراك هو تجربة إنسانية عن الآخر باعتباره موجود أمامنا  هو ذاته، لكن الذات لا تدرك الغير على نحو مباشر، لأن ما تدركه على نحو مباشر هو ذاتها وما يخصها هي.

خلاصة تركيبية للمحور

حاصل القول، أن الغير ليس موضوعا أو شيئا، بل هو ذات إنسانية أخرى، ذات واعية ومفكرة، ذات لها حياتها النفسية ووجودها المستقل عن الذات. وهنا يمكن القول أن معرفة الغير ليست بالأمر المستحيل دائما، ولا هي بالأمر السهل والممكن دائما، فمعرفته قد تكون ممكنة من خلال التواصل، ومن خلال عالمه الخارجي، إذا كان عالمه الخارجي يرتبط بعالمه الداخلي وحياته النفسية، أو بتعبير آخر، وإن هو فتح منافذ وعيه، وكشف عن وجدانه وعوالمه، لكن هذه المعرفة قد تكون مستحيلة أو غير يقينية على الأقل،  إن انعدمت إمكانية التواصل، وإن كان الغير قادرا على قطع الصلة بين عالمه الخارجي وحياة النفسية، أو على إخفاء ما يشكل حقيقة ذاته. وسواء قلنا بإمكانية معرفة الغير أو باستحالة معرفته، فيجب التأكيد على ضرورة النظر إليه كذات وليس كشيء، وأن نتعامل معه كغاية، وهنا يمكن أن نختم قولنا بقول كانط:

“عامل الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك، دائما وأبدا كغاية وليس كمجرد وسيلة”

شاهد أيضا:

  1. تأطير وتقديم مفهوم الغير
  2. درس محور وجود الغير
  3. درس محور معرفة الغير
  4. درس محور العلاقة مع الغير
  5. دروس مفهوم الغير

إغلاق