تحليل نص إيمانويل كانط الشخص بوصفه قيمة

  • المجزوءة الأولى: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم الأول: مفهوم الشخص
  • المحور الثاني: محورالشخص بوصفه قيمة

التأطير الإشكالي للمحور:

إن الشخص بما هو ذات عاقلة وواعية وقادرة على التمييز بين الخير والشر والقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها، لا يشكل فقط وحدة وهوية تجعلها مطابقا لذاته في مختلف الأزمنة والأمكنة، بل يشكل قيمة أيضا. فالشخص ينتمي إلى عالم الطبيعة مثله مثل باقي الموجودات الأخرى، غير أنه يتميز عنها بالعقل، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن أساس قيمته، أي ما يجعله ذاتا مرغوبا فيها، وإن كانت قيمته تتجلى في تجاوزه لعالم الطبيعة والترفع عنه من خلال ما له من صفات كالعقل والحرية. وإن كانت قيمته تتجلى فقط فيما هو عقلي، أم تتجاوزها إلى ما هو أخلاقي واجتماعي. إذن، على ماذا تتأسس قيمة الشخص؟ وما الذي يجعله ذاتا مرغوبا فيها؟ هل تتأسس على العقل؟ أم أنها تتأسس على انفتاحه على الآخرين، أي كونه كائنا اجتماعيا؟ وإن كانت تتأسس على العقل، فهل تتأسس على العقلي النظري أم على العقل العملي الأخلاقي الذي يجعل الشخص كغاية وليس كوسيلة؟
 

تحليل نص إيمانويل كانط ص 17

تعريف الفيلسوف إيمانويل كانط:

إيمانويل كانط فيلسوف ألماني، من فلاسفة القرن الثامن عشر، وهو رائد الفلسفة النقدية، من مؤلفاته: نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم،

إشكال النص:

ما الذي يجعل من للشخص قيمة يتميز بها موجودات الطبيعة؟

أطروحة النص:

ما يكسب الشخص قيمة هو كونه شخصا، اي ذاتا لعقل عملي أخلاقي.

تحليل أطروحة النص

مفاهيميا
حجاجيا: التمييز بين الشخص وموجودات الطبيعة
الواجب: إلزام عقلي حر، مستقل عن كل إكراه خارجي
العقل العملي الأخلاقي: يشمل هذا العقل الواجبات الأخلاقية العليا، أو الكونية باعتبارها قواعد مطلقة وقطيعة، ويتضمن العقل العملي قواعد وقوانين يعتبر الخضوع إليها تحقيقا للسعادة
الفضيلة: الإستعداد لفعل الخير.
موجودات الطبيعة
الشخص
–         غير ذي اهمية
–         قيمة مبتذلة قيمة خارجية نفعية
–         بضاعة تقوم بسعر
–         ينظر إليها بوصفها أشياء
–         مجرد وسيلة
–  ذات لعقل عملي أخلاقي
–  يعتبر غاية في ذاته
–  يمتلك كرامة
–  إرغام الكائنات العاقلة على احترامه
–  تبادل الإحترام على اساس المساوات
–  لا ينبغي أن يبحث عن غايته بطريقة منحطة.

استنتاج:

بعد تحليل نص إيمانويل كانط يتبين لنا أن كانط يركز على البعد الأخلاقي في الإنسان،  معتبرا إياه هو ما يمنح الشخص قيمته. وفي هذا الإطار نجده يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى، لا باعتباره مالكا لعقل فقط، ولكن باعتباره قادرا على جعل ذلك العقل غاية في حد ذاته، وليس مجرد وسيلة لتحقيق غايات الذات أوغايات الآخرين. إن الإنسان من المنظور الكانطي ليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك، مثلما هو الحال بالنسبة لأشياء الطبيعة المحرومة من الإرادة والعقل، والتي نسميها اشياء. بل هو غاية في ذاته. إنه لا يجب للشخص أن تكون له قيمة منحطة تحوله إلى بضاعة قابلة لأن تباع وتشترى وتقوم بسعر.  والذي يمكن الإنسان من الترفع عن موجودات الطبيعة هو العقل العملي الأخلاقي، ويكون العقل عمليا -يقول كانط- عندما يعتبر حاملا لبمدأ قبلي للفعل، أي باعتباره حاملا للقاعدة الأخلاقية.

لكي يكتسي الشخص قيمة إذن، عليه أن يسلك وفق مبدأي الواجب والفضيلة، ويمتلك كرامة يحترم الأخرين ويرغمهم على احترامه.

مناقشة أطروحة نص إيمانويل كانط:

 المناقشة الداخلية للنص :

يمكن اعتبار ما قدمه كانط حول إشكال قيمة الشخص، ذو أهمية فكرية وتاريخية لا يستهان بها، من حيث تنصيصه على البعد الأخلاقي في تشكيل قينة الشخص. وذلك من خلال إعطائه الأولوية للشخص من حيث هو ذات إنسانية تستحق التقدير والإحترام، ومن خلال دفاعه عن الكرامة الإنسانية ضدا على كل اشكال العبودية والإستغلال التي تحول الإنسان من شخص إلى شيء، يمكن استغلاله كما تستغل الأشياء الفاقدة للقيمة. لكن، ألا يمكن أن يكون تاسيس كانط  لقيمة الشخص على العقل تأسيسا غير كاف؟ فهناك من ليس لهم عقل عملي أخلاقي كالأطفال الرضع؟  وألا يمكن القول بأن موقف كانط اتجاه قيمة الشخص يدعوا إلى الإستكفاء من حيث كونه موقفا يحدد القيمة فيما هو داخلي وليس فيما هو خارجي؟

المناقشة الخارجية: نقد تصور كانط من خلال تصوري كل من طوم ريغان وجورج غوسدورف

إجابة على التساؤلات الأخيرة يمكن أن نستحضر موقف أحد الكنطيين الجدد، وهو الفيلسوف الأمريكي  المعاصر طوم ريغان. يؤكد طوم ريغان على أن التأسيس الكانطي لقيمة الشخص غير كاف، وحجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية غير عاقلة مثل الأطفال والمجانين، وعليه فإن الخاصية الحاسمة  المشتركة بين الكائنات البشرية  ليست هي العقل بل كونها كائنات حاسة ايضا. من هنا يتساءل طوم ريغان ما هي الكائنات البشرية التي تستحق صفة شخص؟ ليجيب بأن الإنسان ليس كائنا عاقلا فحسب، بل كائنا حاسا يستشعر وجوده, ومن هنا فحتى البويضة المخصبة والمرضى الذين دخلوا في حالة غيبوبة دائمة ، والأطفال الرضع وكل الكائنات البشرية التي تفتقد للقدرات الفكرية، يعتبرون أشخاصا وبالتالي وجب احترامهم.
إضافة إلى ذلك، لم تنأى فلسفة كانط ع النقد من طرف فلاسفة آخرين. فهاهو الفيلسوف والإبستمولوجي جورج غوسدورف (1912-2002) يعرض تصورا مخالفا للتصور الكانطي، وأيضا للموقف الديكارتي اتجاه قيمة الشخص. فإذا كان كانط وديكارت قد جعلا لقيمة الشخص أساسا داخليا متمثلا في العقل، فإن غوسدورف يرى أن قيمة الشخص تتأسس على ما هو خارجي، أي على التعايش مع الآخرين والإنفتاح عليهم. فالذات التي دعا إليها ديكارت وكانط هي ذات مستقلة، منطوية على ذاتها. وأكثر من ذلك فإنها تجعل الشخص ينظر إلى نفسه كإمبراطور داخل إمبراطورتيه، ويضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور ذاته كبداية مطلقة. وفي مقابل ذلك يدعوا غوسدورف إلى ما اصطلح عليه بالشخص الأخلاقي. هذا الشخص الأخلاقي يدرك أنه لا يوجد إلا بالمشاركة، وليس بالإستكفاء والتحيز والتملك المنغلق، فهو ينفتح بذاته على الكون ويستقبل الغير.

خلاصة تركيبية:

هكذا يتبين لنا بأن الشخص قيمة، وأن الشخص يستحق كل التقدير والإحترام. ورغم أن أساس قيمة الشخص يختلف من فيلسوف لآخر، حيث جعل كانط العقل أساسها وجعل طوم ريغان استشعار الحياة اساسها، وجعل غوسدورف الإنفتاح على الغير أساسها، فإن الشخص يبقى ذاتا إنسانية، يجب التعامل معه كغاية وليس كوسيلة، وأن الشخص عليه أن يسموا على كل ما هو منحط، وأن يحترم الآخرين، ويدافع عن كرامته ضد كل أشكال العبودية

إغلاق