تحليل ومناقشة نص إيمانويل كانط – الشخص بوصفه قيمة

تحليل ومناقشة نص إيمانويل كانط – الشخص بوصفه قيمة

موضوع الدرس

  • المجزوءة الأولى: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم الأول: مفهوم الشخص
  • المحور الثالث: محور الشخص بوصفه قيمة

محاور درس الشخص بوصفه قيمة

  • التأطير الإشكالي للمحور (الوضعية المشكلة)
  • منهجية تحليل الن ص الفلسفي
  • تحليل ومناقشة نص إيمانويل كانط
  • تقويم (فرض منزلي)

منهجية تحليل النص الفلسفي

يقتضي تحليل النص الفلسفي، منهجية  للاشتغال ولتنظيم العمل والمعرفة الفلسفية. وعلى العموم، فتحليل النص الفلسفي يقتضي الاشتغال وفق أربع لحظات وهي: لحظة الفهم، لحظة التحليل، لحظة المناقشة، لحظة التركيب. مع العلم أن هذه اللحظات مترابطة من حيث الموضوع الإشكالي. وهذه عناصر كل لحظة:

اللحظة (القدرات والمهارات)

المضمون

سلم التنقيط
الفهم الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:

  • تحديد موضوع النص
  • صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة.
04
التحليل
  •  تحديد أطروحة النص وشرحها.
  •  تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط بينها
  •  تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة النص
05
المناقشة
  •  التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها.
  • فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
05
التركيب
  •  استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
  • تقديم راي مدعم.
03
الجوانب الشكلية

تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط

03



تحليل ومناقشة نص إيمانويل كانط

معاينة نص كانط

إن البحث في مفهوم الشخص بحث في بعد من أبعاد الوضع البشري، وهو البعد الذاتي. فالشخص يحيل فلسفيا على الذات الإنسانية بما هي ذات عاقلة ومفكرة وواعية بذاتها وبالعالم الخارجي، وبما هي ذات قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب، وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها أخلاقيا وقانونيا. لكن الشخص ليس فقط ذاتا إنسانية، بل هو واحد من موجودات الطبيعة إلى جانب باقي الموجودات الأخرى، وهذا ما يقتضي منا ضرورة البحث فيما يميز الشخص عن تلك الموجودات الأخرى، وبتعبير آخر البحث في ما يمنحه قيمة ويجعله ذاتا مرغوبا فيها، وهنا لابد ونحن نشتغل فلسفيا أن نبحث إن كانت قيمة الشخص تتجلى في مظهره الخارجي، أم في ما يقدمه من نفع، أم أن قيمته تتجلى امتلاكه لمكلة الفهم، أم أن قيمته لا تتجلى لا في ذاك ولا في ذاك، وإنما في كونه ذاتا لعقل عملي أخلاقي. كل ذلك يمكن أن نعبر عن عبر التساؤلات والإشكالات التالية:

  • ما الذي يميز الإنسان عن باقي الموجودات الأخرى؟ وما الذي يمنح الشخص قيمة ويجعله ذاتا مرغوبا فيها ويجعله ذاتا تستحق الاحترام والتقدير؟
  • هل ما يمنح الشخص قيمة يتجلى فيما هو داخلي ذاتي أم فيما هو خارجي موضوعي؟
  • هل ما يمنح الشخص قيمة هو العقل أم هو انفتاحه على الآخرين أم أن الشخص يكفي أن يستشعر الحياة حتى تكون له قيمة؟ وإذا كنت العقل هو أساس قيمة الشخص، فهل هو العقل النظري الذي يمنحه القدرة على الفهم أم هو العقل العملي الأخلاقي الذي يمكنه من السلوك وفق منطق الخير والفضيلة؟
  • وهل قيمة الشخص مطلقة أم نسبية؟

 إجابة عن التساؤلات والإشكالات الأخيرة، يؤكد كانط في نصه على أطروحة مؤداها أن ما يمنح الشخص قيمة هو كونه شخصا، أي ذاتا لعقل عملي أخلاقي. ومضمون هذا القول، ما يميز الإنسان ويجعلها ذو قيمة وأهمية، وما يجعله ذاتا تستحق التقدير والاحترام وهو عقله العملي الأخلاقي، ويعني العقل العملي الأخلاقي عند كانط العقل الذي يشمل هذا العقل الواجبات الأخلاقية العليا، أو الكونية باعتبارها قواعد مطلقة وقطيعة، ويتضمن العقل العملي قواعد وقوانين يعتبر الخضوع إليها تحقيقا للسعادة.

وقد انطلق إيمانويل كانط في تأكيد موقفه من التمييز بين الإنسان وباقي عناصر الطبيعة، وذلك ليستطيع أن يوضح للقارء ما لا يمنح الإنسان قيمة. وقبل أن نقف عند هذه الآلية الحجاجية المتمثلة في التمييز، يمكن أن نقوم أولا بتعريف مفهوم القيمة. انطلاقا من النص فالقيمة تشير إلى ما يميز شيئا عن شيء آخر، أو إنسانا عن إنسان آخر ويجعله ذا أهمية. ويعرف جميل صليبا القيمة بقوله: « القيمة تطلق على كل ما هو جدير باهتمام المرء وعنايته… وقيمة الشيء من الناحية الذاتية هي الصفة التي تجعل ذلك الشيء مطلوبا ومرغوبا فيه… ويطلق لفظ القيمة من الناحية الموضوعية على ما يتميز به الشيء من صفات تجعله مستحقا للتقدير ». ويميز كانط بين القيمة المبتذلة والقيمة النفعية الخارجية والقيمة المطلقة العليا، وهذه الأخير هي قيمة الإنسان بما هو شخص، أي ذات لعقل عملي أخلاقي.

وبخصوص التمييز الذي أقامه كانط، فقد كان بين الإنسان وباقي الموجودات. فإذا كانت باقي الموجودات تعتبر موجودات غير ذي اهمية، وإذا كنت قيمتها قيمة مبتذلة وقيمة خارجية نفعية فقط، بحيث ينظر إليها بأنها مجرد بضاعة تقوم بسعر وينظر إليها بوصفها أشياء وكمجرد وسيلة، فالإنسان هو الآخر عنصر من عناصر الطبيعة، لكنه باعتباره شخصا يمنح قيمة عليا. والذي يمنحه قيمة عليا ليس هو ملكة الفهم التي قد تجعله مجرد وسيلة لتحقيق رغباته أو رغبات الآخرين، والتي قد تجعله يعامل كبضاعة تباع وتشترى. وحين يكون الإنسان شخصا، يعامل ذاته كغاية وليس كمجرد وسيلة، ويفرض ذلك على الآخرين، كما أنه يحترم ذاته ويجبر الآخرين على احترامه. وهكذا نقول عنه أنه يمتلك كرامة.

إذن فما يمنح الشخص قيمة هو كونه شخصا، وكونه شخصا بمعناه أن ذات لعقل علمي أخلاقي أو بتعبير آخر ذات أخلاقية، تسلك وفق الفضيلة، وتخضع في سلوكه للواجب الأخلاقي من تسامح واحترام، وهذا يمتلك الشخص كرامة ويحظى بالتقدير.

يمكن اعتبار ما قدمه كانط حول إشكال قيمة الشخص، ذو أهمية فكرية وتاريخية لا يستهان بها، من حيث تنصيصه على البعد الأخلاقي في تشكيل قينة الشخص. وذلك من خلال إعطائه الأولوية للشخص من حيث هو ذات إنسانية تستحق التقدير والاحترام، ومن خلال دفاعه عن الكرامة الإنسانية ضدا على كل اشكال العبودية والاستغلال التي تحول الإنسان من شخص إلى شيء، يمكن استغلاله كما تستغل الأشياء الفاقدة للقيمة. لكن، ألا يمكن أن يكون تأسيس كانط  لقيمة الشخص على العقل تأسيسا غير كاف؟ فهناك من ليس لهم عقل عملي أخلاقي كالأطفال الرضع؟  وألا يمكن القول بأن موقف كانط اتجاه قيمة الشخص يدعوا إلى الإستكفاء من حيث كونه موقفا يحدد القيمة فيما هو داخلي وليس فيما هو خارجي؟

إجابة عن التساؤلات الأخيرة يمكن أن نستحضر موقف أحد الكنطيين الجدد، وهو الفيلسوف الأمريكي  المعاصر طوم ريغان. يؤكد طوم ريغان على أن التأسيس الكانطي لقيمة الشخص غير كاف، وحجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية غير عاقلة مثل الأطفال والمجانين، وعليه فإن الخاصية الحاسمة  المشتركة بين الكائنات البشرية  ليست هي العقل بل كونها كائنات حاسة ايضا. من هنا يتساءل طوم ريغان ما هي الكائنات البشرية التي تستحق صفة شخص؟ ليجيب بأن الإنسان ليس كائنا عاقلا فحسب، بل كائنا حاسا يستشعر وجوده, ومن هنا فحتى البويضة المخصبة والمرضى الذين دخلوا في حالة غيبوبة دائمة ، والأطفال الرضع وكل الكائنات البشرية التي تفتقد للقدرات الفكرية، يعتبرون أشخاصا وبالتالي وجب احترامهم.

إضافة إلى ذلك، لم تنأى فلسفة كانط ع النقد من طرف فلاسفة آخرين. فها هو الفيلسوف والإبستمولوجي جورج غوسدورف (1912-2002) يعرض تصورا مخالفا للتصور الكانطي، وأيضا للموقف الديكارتي اتجاه قيمة الشخص. فإذا كان كانط وديكارت قد جعلا لقيمة الشخص أساسا داخليا متمثلا في العقل، فإن غوسدورف يرى أن قيمة الشخص تتأسس على ما هو خارجي، أي على التعايش مع الآخرين والانفتاح عليهم. فالذات التي دعا إليها ديكارت وكانط هي ذات مستقلة، منطوية على ذاتها. وأكثر من ذلك فإنها تجعل الشخص ينظر إلى نفسه كإمبراطور داخل إمبراطورتيه، ويضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور ذاته كبداية مطلقة. وفي مقابل ذلك يدعوا غوسدورف إلى ما اصطلح عليه بالشخص الأخلاقي. هذا الشخص الأخلاقي يدرك أنه لا يوجد إلا بالمشاركة، وليس بالإستكفاء والتحيز والتملك المنغلق، فهو ينفتح بذاته على الكون ويستقبل الغير.

هكذا يتبين لنا بأن الشخص قيمة، وأن الشخص يستحق كل التقدير والاحترام. ورغم أن أساس قيمة الشخص يختلف من فيلسوف لآخر، حيث جعل كانط العقل أساسها وجعل طوم ريغان استشعار الحياة اساسها، وجعل غوسدورف الإنفتاح على الغير أساسها، فإن الشخص يبقى ذاتا إنسانية، يجب التعامل معه كغاية وليس كوسيلة، وأن الشخص عليه أن يسموا على كل ما هو منحط، وأن يحترم الآخرين، ويدافع عن كرامته ضد كل أشكال العبودية. وختاما نختم بقول كانط: “عامل الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس كمجرد وسيلة”

التقويم

إنجاز الفرض المنزلي:

تحليل ومناقشة نص فريدريك هيغل ص 18 الكتاب المدرسي منار الفلسفة

إغلاق