تعليقات على أقوال مأثورة لجون جاك روسو – حول التربية

تعليقات على أقوال مأثورة لجون جاك روسو – حول التربية
محمد فراح

إنطلاقا من العنوان أعلاه ، يمكن إستشفاف موضوع مقالنا ، فهو ليس عبارة عن مقال تقليدي من مقدمة  وعرض وخاتمة ، بل هو في الحقيقة ، مختلف تماماً هذه المرة ، فهو عبارة عن تعليقات Les Commentaires ، أي عبارة عن نمط من أنماط قراءة النصوص والأقوال وفرض نوع من الفهم أو التأويل عليها ، هذا النوع من الفهم ، يكون بمثابة قراءة معاصرة لذلك النص أو القولة التي نرغب في التعليق عليها ، أو يمكن التعبير عنها بشكل أكثر وضوحا ، على أنها بمثابة قراءة لما وراء السطور ، أو كشف لما يضمره النص أو القولة وتخفيه من معاني تكون مضمرة ، لم يفصح عنها صاحبها ، أو يمكن إعتباره شرحا فاضحا لمضمرات النص أو القولة ومخفياتهما وما يكونانه بداخلها من أفكار ، إنها إستنطاق للنص أو لتلك القولة ، بما لا تنطق به ، تجذر الإشارة إلى أن هذه عبارة عن تجربة شخصية متواضعة جداً ، كنت أقوم بها بعد قراءة أي فكرة كيفما كانت ، لأي فيلسوف ، أقوم بالتعليق عليها وإناطتها ، أي العمل على تنويطها وإضفاء صبغة الذاتية ، أي ذاتيتي أنا القارئ عليها ، فبعد أن أقرأها ، لا أتوقف عند حدود القراءة من الخارج ، أي تلك القراءة العرضية للقولة أو النص ، بل أحاول تدوين نوع من الفهم الخاص بي عليها ، وبالتالي يصبح هذا التعليق ، بمثابة دخولي إلى النص أو القولة والخروج منها بفائدة والعمل على تدوين تلك الفائدة أسفل أو هامش تلك القولة أو النص ، وأركز كثيراً على تهميش التعليق الخاص بي ، حيث أنه بإمكانك قراءة هاته التعليقات والهوامش التي كتبتها عن القولة ، دون الإتفاق معها ، بل والعمل على نقدها اللاذغ ودحضها وبيان حدودها وقيمتها وعدم الإتفاق معها البتة ، وهذا حق مشروع لك كقارئ ، رغم أنني في الحقيقة ، ليس غرضي من هذا المقال هو أن تأخذ محتوى التعليقات والهوامش وتعلق عليها أنت أيضاً ، هكذا سنكون خرجنا عن الغرض والمقصد والموضوع ، بل الغرض هو قراءة النص أو القولة المختارة بعناية فائقة ، ثم كتابة تعليق حولها ، يكون هذا التعليق خاص بك أنت أيها القارئ ، تثبت فيه قدراتك على القراءة والتعليق كذلك على هذا النوع من الأقوال المأثورة للفلاسفة والنصوص ، لذلك أنصحك بشطب مقدماتنا هذه والدخول إلى محراب النص ومحاولة إخضاعه للإنكشاف ، أي أن تكشف عنه ، ما لم أكشفه عنه أنا أو ما لم أشر له ، أثناء تعليقي عليها ، وبالتالي يصبح تعليقك أيضاً ينضاف إلى تعليقي ، وهكذا تكون الغاية هي قراءة النص أو تلك القولة ، وقمنا بتعريضها للإنكشاف دون المساس بروحها بتاتا ، ففي نهاية المطاف القولة ستبقى كما هي ، بل هي تعود لصاحبها الذي هو جون جاك روسو[1] .

القولة الأولى :

«نجد أشد الفنون جميعاً منفعة للناس ، ألا وهو فن تكوين الرجال ، لم يزل رهين الإهمال.»

التعليق الهامشي 1 :

يشير هنا جون جاك روسو ، إلى أشد أو لنقل أكثر وأهم وأفضل وأسمى الفنون أي العلوم جميعاً ، بمعنى جميع الفنون والعلوم المتواجدة في عصره ، منفعة ، هنا يحضر الجانب النفعي لدى روسو ، والمقصود بالمنفعة هنا ، تلك الفنون التي تعود بالنفع على أصحابها أي لها أثر فعلي رجعي ملموس وعملي وبراغماتي أيضاً ، إن لم نقل إيجابي على الناس ، أي جميع البشر ، والإنسان عموماً ، ألا وهو ، قصد هذا الفن أو العلم ، هو فن تكوين الرجال ، المقصود بالفن هنا ماله طابع أداتي إستعمالي تداولي نفعي ، فن تكوين الرجال ، أي فن تنشئة الأفراد ، أو علم تكون وتشكل الراشدين والبالغين ، لأن الرجل هو ذلك الشخص الناضج والراشد والبالغ من الناحية الجسدية والنفسية والعاطفية والعقلية والذهنية … ، هذا الفن -يقول عنه روسو- لم يزل رهين الإهمال ، أي النسيان وعدم التفكير فيه بمحمل الجد ، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن روسو ، كانت لديه إشارات ذكية جداً ويقظة نبيهة جداً إلى هذا العلم ، أي فن تكوين الرجال ، والذي يحيل بشكل معاصر على علم تكوين الطفل أو البيداغوجيا بمصطلحها المعاصر ، أو حتى علوم التربية بمعناه الحديث.

القولة الثانية:

«إننا لا نعرف شيئاً عن الطفولة»

التعليق الهامشي 2 :

نعلق عن هذه بالقول ، صدق روسو العظيم ، فعلاً تستحق هذه القولة أن تكون شعارا وعنوانا للتربية والتعليم الأولي ، فروسو هو أول من إكتشف بذكائه ونبالته ودهائه الفطن ، أننا – يقصد جميع من سقطت عينه على هاته القولة – بل نجد فيها تعميما موسعا جداً للبشرية جمعاء ، لا ، أداة نفي إستنكاري ، شيئاً ، أي ولا شيئاً بسيطا جداً ، وكمثال عن ذلك عندما نطرح سؤال ما الطفولة ؟ لن نجد جوابا قطعيا عنها ، ما عدا الأجوبة التي تقدمها العلوم المختصة بالطفولة والتي تحدد مميزاتها فقط وخصائصها والمراحل التي يكون فيها الشخص طفلاً ، لكننا في حقيقة الأمر لا نعرف شيئاً عنها ، نحتاج في واقع الأمر إلى فلسفة للطفولة ، من أجل التأمل في إشكالاتها ، وكأن روسو ، يخبرنا أننا لا ولن نعرف شيئاً عن هذه المرحلة التي تظل خفية عنا ، ولا نعلم حقيقتها جيداً ، فهي تظل مرحلة مجهولة بالنسبة للإنسان ، لا يمكن معرفتها ولا يمكن التحكم فيها ، كل إنسان يولد طفلاً قبل أن يصبح إنسانا ، بمعنى لا معلومات عندنا قطعية عنها ، بل هناك ما يسمى بتراكم الخبرات والمعارف والمباحث والدراسات حولها ، وخير دليل على ذلك علم الطفولة Pédologie أو علم دراسة الأطفال (البيدولوجيا) ، وهو علم معاصر لنا يحاول دراسة الطفل (سلوكاته وتصرفاته وأفعاله وإنفعالاته وإدراكاته ونمائه …) .

القولة الثالثة:

«أحكم الكتاب يوجهون أنفسهم إلى ما ينبغي للرجل أن يعرفه ، من غير إعتبار لما يستطيع الطفل أن يتعلم .»

التعليق الهامشي 3 :

يشير هنا إلى أحكم وأعقل الكتاب ، أي الذين يكتبون عن التربية والتعليم ، يقصد من يكتب عن التربية ، يوجهون أنفسهم ، أي لهم توجهات وخلفيات وأطر قبلية ومخططات وخرائط توجههم ، إلى ما ينبغي للرجل أن يعرفه ، بمعنى أنهم يركزون توجههم إلى ما ينبغي للرجل أو الراشد أو البالغ أو الناضج كما قلنا سابقاً أن يعرفه ويتقنه ويتعلمه ويفهمه ويحيط به ، من غير إعتبار ، أي بغض النظر ، ويصرفون نظرهم عن ما يستطيع الطفل أن يتعلمه ، أي أن هؤلاء الكتاب والحكماء ، لا يهتمون بالطفل وبفترة الطفولة بتاتا ، بل ما يهمهم هو الرجال ، وفقط ، لهذا يخبرنا روسو بالإهتمام بالطفل والطفولة كمفهوم وكنظرية وعدم تجنبه وتهميشه ونسيانه ومجاوزته مباشرة إلى مرحلة الرجولة والفحولة والرشد والبلوغ والنضج ، فلدينا مرحلة مهمة جداً من مراحل تطور الإنسان هي مرحلة الطفولة ، يجب الإعتناء بها ، إن روسو لهو فيلسوف الطفل والطفولة بإمتياز ، لأنه أعاد الضوء لهذه المرحلة المهمة جداً من عمر الإنسان وجعل من الطفل مركز الإنسان ومحور التربية .

القولة الرابعة:

«يتشكل النبات بالزراعة ، ويتشكل الإنسان بالتربية .»

التعليق الهامشي 4 :

يشير روسو هنا إلى فكرة التشكل والتنشئة والتكون والتكوين والتأصل والتجذر ، حيث أن النبات يتشكل عن طريق عملية الزرع والزراعة ، ثم يأتي النبات كمرحلة أخيرة من مراحل التشكل ، فكذلك الإنسان يتشكل في بدايته عبارة عن طفل فيمر من عدة مراحل ، من رشد ونضج وبلوغ وشباب وشيخوخة ثم كهولة ، لعل هذه هي المراحل الكبرى الأساسية التي يمر منها الإنسان والإنسانية جمعاء ، يحدث كل هذا بوساطة التربية ، أنظروا إلى الأهمية التي يخصها روسو للتربية ، فكأنها جوهر الإنسان والإنسانية عموماً ، إن لم نقل أنها حقيقة إنسانية تميزه عن غيره من الموجودات .

القولة الخامسة:

«التربية تأتينا إما من الطبيعة أو من الناس ، أو من الأشياء.»

التعليق الهامشي 5 :

هنا سيشير روسو إلى مصادر التربية لديه ، حيث يقول أن التربية إما مصدرها الطبيعة ، وهذا النوع من التربية ، أي التربية الطبيعية ، هي ما يدافع عنه ، ويطلق عنه في التقليد الفلسفي الكلاسيكي ، بالتوجه الطبيعي في التربية ، وهو التوجه الذي ينتمي له روسو ، ويؤكد عليه في كتاباته ، أو مصدر التربية قد يكون من الناس ، أو من الآخرين الأغيار الأجانب بالنسبة للطفل ، وهو النوع الذي ينتقده روسو كثيراً ، فهو ضد التربية الغيرية ، أو التربية الأجنبية على الطفل ، التي تأتي إنطلاقا من توجيه الآخر المرشد والمنشط والموجه والمرافق أو الشخص النصوح أو القائد ، هذا النوع من التربية ينتقده بشدة ، ويدعو إلى التربية السلبية القائمة على الحرية والإستقلالية المطلقة ، هناك مصدر أخير للتربية ذلك المتعلق بالتعلم أو التربية بوساطة الأشياء ، أي تعلم الطفل من خلال تعرفه هو نفسه ولنفسه وبنفسه على الأشياء من خلال حواسه ، وهي تربية حسية تنبني على الإنكشاف والتمثل والظهور ، فيتعلم الطفل من خلال الأشياء المتجلية أمامه في الطبيعة ، وهي التربية التي يحبذها روسو ، ويعد من المدافعين الشرسين عنها .

القولة السادسة:

«إن معجزة أي تربية فاضلة هي تكوين شخص عاقل .»

التعليق الهامشي 6 :

يخبرنا روسو هنا أن معجزة ، أي ذلك الإعجاز وذلك الخارق ، والمثير للإعجاب في كل تربية تدعي أنها فاضلة ، بمعنى مثالية ومتعالية وأخلاقية وقيمية وسامية وخيرة أيضاً ، هي تلك التي تكون غايتها هي تكوين وتنشئة وتكون وتشكل شخص ، أو فرد ، أو كائن عاقل ، بمعنى تكون لا سلطة تعلو لديه سوى سلطة العقل ، فالعقل خصيصة إنسانية ، العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس كما يخبرنا ديكارت ، إذن يجب على كل تربية فاضلة ، أن تكون لنا شخصاً له قدرة على إستخدام عقله إستخداما كليا عاماً وشموليا ومطلقا ، دون الخضوع لأي وصاية ، تجرأ على إستخدام عقلك وفهمك الخاص ، هذه هي روح الأنوار أو عقلية التنوير .

القولة السابعة:

«لو أن الأطفال ذوو إدراك وعقل حقاً ، لما كانوا بحاجة إلى تربية»

التعليق الهامشي 7 :

ينطلق روسو من فرضية ذكية جداً ويقظة ، وهي لو أن عبارة عن حرف شرط للمستقبل ، أي لو أن الأطفال ذوو إدراك وعقل حقاً ، أي يتوفرون على ذلك العقل الفطن والإدراك السريع واليقظ ، لما كانوا ، كانوا هنا تشير إلى ذلك الشيء الذي نحن بحاجة إليه لجعل الأطفال يتوفرون على الإدراك اليقظ والعقل الفطن ، ألا وهو التربية ، فعبر التربية نتعلم آليات الإدراك والفهم والإحاطة بالشيء من أجل عقله عقلا حقاً.

القولة الثامنة:

«إن الطبيعة تريد أن يكون الأطفال أطفالا قبل أن يصبحوا راشدين . فإن كنا نريد أن نقلب هذا الوضع ، فسوف ننتج ثمارا قبل أوانها .»

التعليق الهامشي 8 :

يصرح روسو هنا بأطروحته الأساسية بشكل مركز ومكثف ، حيث يقول أن الطبيعة ، والطبيعة هنا لا يفهم منها الأشجار والنباتات والزهور والأعشاب ، بل يقصد روح الطبيعة ، أي ذلك النظام المثبت الذي يحكم الأشياء الموجودة في الطبيعة الذي يكون بمثابة قانون وسنن تحكم (بضم التاء) الإنسان والعالم وتجعلهما يمتثلان له ، فكرة الطبيعة هنا ، هي الفكرة التي كانت سائدة في العصر الغربي الحديث ، فمن ديكارت الذي كان يرغب في السيطرة على الطبيعة ، أو جعل الإنسان مالكا لها ، إلى إسبينوزا وإله الطبيعة عنده ، إضافة إلى دافيد هيوم وفكرة الدين الطبيعي ، نضيف لها الآن جون جاك روسو والدعوة إلى التربية الطبيعية ، إذن هذه الفكرة ، أقصد فكرة الطبيعة ، كانت لها رهانات وإمتدادات كثيرة إلى حقول فلسفية أخرى (علمية ودينية وتاريخية وإجتماعية وسياسية وتربوية) ، نعود هنا إلى أن الطبيعة لدى روسو تريد وترغب في أن يكون الأطفال أطفالا قبل أن يصيروا راشدين ، أي أن الطبيعة في الحقيقة خصت الإنسان لمرحلة مهمة جداً هي مرحلة الطفولة ، أو في أن يكون المرء طفلاً من السنة الأولى إلى الثانية عشر من عمره ، حسب روسو دائماً ، قبل أن يصبح الشخص راشدا وناضجا وعاقلا وبالغا من الثانية عشر فما فوق ، لذلك يجب فصل مرحلة الطفولة عن مرحلة الرشد ، والقطع مع هذه الأخيرة ، حتى يعيش المرء الأولى بشكل طبيعي دائماً ، هنا يحث روسو على مسألة قلب الوضع ، أي التفكير في الراشد في الطفل ، فسوف ننتج ثمارا قبل أوانها ، وكأنك زرعت شجرة للزيتون مثلاً ، فلم تتركها وشأنها تنضج نضوجا طبيعيا ، بل عملت على قطف ثمارها في مرحلة طفولة ثمار الزيتون ، وهذا يتنافى والمبدأ الطبيعي .

القولة التاسعة:

«للطفولة أساليبها في النظر والتفكير والإحساس …»

التعليق الهامشي 9 :

إذن لمرحلة الطفولة أساليب وطرق ومناهج وأدوات في النظر ، أي في التأمل والإعتبار ، والتفكير بوساطة العقل بطبيعة الحال ، ثم الإحساس ، أي الشعور والإحساس والإنفعال وجبر الخاطر والتفكير في وجدان ودواخل الطفل .

القولة العاشرة:

«عاملوا التلميذ بما يوافق عمره …»

التعليق الهامشي 10 :

فكما نعلم جميعاً أن الطفل أو التلميذ أو المتعلم في البيداغوجيات الحديثة ، بل حتى في الطبيعة ، يمر عبر مراحل عمرية مهمة جداً ، ينتقل من السنة الأولى إلى السنة الثانية فالسنة الثالثة والرابعة والخامسة وهذا دواليك إلى أن يصبح راشدا وناضجا وعاقلا وبالغا ، لذلك يجب مراعاة هذه النقلة النوعية العمرية والسنية وليس القفز عنها ومجاوزتها إلى فترة الرشد ، بل يجب مراعاة كل نقلة ينتقلها التلميذ في حياته الطبيعية .

القولة الحادية عشر:

«… ينبغي ألا نقفز طفرة واحدة من الأشياء المحسوسة إلى الأشياء الذهنية أو المعقولة . بل يجب أن يكون وصولنا إلى تلك الأشياء المعقولة عن طرق الأشياء المحسوسة .»

التعليق الهامشي 11 :

بمعنى هنا أنه لا يجب القفز قفزة كمية  والتي تعبر عن تلك الطفرة ولو واحدة من الأشياء المحسوسة والملموسة والعينية الحسية إلى الأشياء المجردة التي يعبر عنها بالعقلية أو الذهنية ، هنا يشير إلى أنه لا يجب القطع النهائي  مع الأشياء المحسوسة لبلوغ الأشياء المجردة ، بل العكس هو الصحيح ، يجب أن ننتقل بوساطة الأشياء المحسوسة ، بمعنى أن الطفل ينتقل من شيء محسوس أو حسي أو ملموس وعيني إلى شيء عقلي ذهني مجرد ، من خلال علاقة وصل وإتصال لا علاقة فصل وقطع .

القولة الثانية عشر:

«إن التربية التي ندعو إليها تلائم طبيعة الإنسان وتتفق مع العاطفة البشرية.»

التعليق الهامشي 12 :

هنا يؤكد روسو على دعوته والغاية منها ، أي أن التربية الطبيعية التي يدعو لها هي تربية تلاؤم وتوافق وتناسب وتنسجم وتتداخل بل تتكامل مع طبيعة الإنسان ، أي هناك توافق بين التربية الطبيعية وطبيعة الإنسان في نفس الوقت ، وتتفق كذلك أو تراعي العاطفة البشرية ، التي يقصد بها هنا الوجدان و الأحاسيس والمشاعر ودواخل الذات البشرية .

القولة الثالثة عشر:

«إن الطفل لا يجوز أن يحصل على شيء لأنه يريده ، بل لأنه في حاجة إليه .»

التعليق الهامشي 13 :

يحيل روسو هنا إلى أمر في غاية الأهمية ، وهي أنه أثناء تعاملنا مع الطفل لا يجوز علينا أن نعطيه شيئاً معينا لأنه يريده ، بل بالعكس يجب أن يكون في حاجة ماسة إليه ، بمعنى أنه يفرق بين ما يريد الطفل وما يحتاج إليه بشكل ضروري ، أي هناك فرق بين حرية الإرادة والتي يجب أن تكون محدودة ولا يجوز الإستجابة إليها بشكل مطلق ودائم ، وبين الحاجة والضرورة الطبيعية التي يجب علينا مراعاتها دائماً وتوفير ما أمكن منها للطفل .

          نكون هنا قد أنهينا تعليقاتنا الهامشية دائماً ، التي تلاحظ أنها عبارة عن توضيحات هامشية وفقط ، وتركنا الأقوال المأثورة لروسو بين مزدوجتين ، وذلك من أجل أن تقرأها أنت أيضاً ، وتسلط عليها نوعاً من التعليق الهامشي الخاص بك أنت نفسك بنفسك ، وتشطب التعليق الهامشي الخاص بي ، وألا تعتمد عليه كثيراً ، لأنه يبقى في نهاية المطاف مجرد إزادة من عندياتي على القولة ، وربما قد يكون غير موفقا ويصدر عنه فهم معاكس تماماً إن لم نقل مغلوط عن القولة ، كما أن هذه الأقوال المأثورة لروسو ، واضحة وضوح الشمس في النهار ، قد لا تحتاج إلى هذه الزوائد ، لكن كان هدفي هنا ، هو قراءة ما إخترنا لك من الأقوال المأثورة لروسو ، والشروع في العمل بها ، نظراً لأهميتها ، ولما تبث عليه من ذكاء وفطنة ودهاء صاحبها ، الذي لا يمكن إعتباره سوى فيلسوف الطفل والطفولة والطبيعة والحرية ، لذلك أكررها أشطب تعليقاتنا الهامشية هذه وأدلف إلى محراب إميل أو في التربية لتعميق رؤيتك حول فلسفة روسو في التربية ، لأنه يمكن إعتبار أن هذه الأقوال مجرد مدخل إلى فلسفة روسو التربوية ، الغرض منها الإنطلاق منها من أجل الذهاب إلى النص الأصلي لروسو وقراءته أيضاً قراءة فاحصة وتمحيصية ، ولما لا التعليق الهامشي عليه كاملاً مكمولا .

المرجع المعتمد عليه :

[1] – إنتقينا هذه الأقوال المأثورة لجان جاك روسو من كتاب فلسفة الأنوار ومسألة التربية ، إشراف وتنسيق : ذ. أحمد العلمي و ذ. محمد المحيفيظ ، سلسلة : فلسفة وإسلاميات ، دار أبي رقراق للطباعة والنشر ، أعد هذه المأثورات ونقلها إلى العربية الأستاذ فوزي بوخريص ، ص 366 و 367 من هذا الكتاب .

محمد فراح ، طالب في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط ، سلك الإجازة في التربية تخصص التعليم الثانوي التأهيلي -الفلسفة

إغلاق