مفهوم التاريخ – دور الإنسان في التاريخ

مفهوم التاريخ – دور الإنسان في التاريخ

موضوع الدرس: دور الإنسان في التاريخ

الفئة المستهدفة الثانية بكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية
المجزوءة مجزوءة الوضع البشري
المفهوم مفهوم التاريخ
المحور الثالث:  محور دور الإنسان في التاريخ

محاور الدرس:

  • التأطير الإشكالي للمحور
  • أولا: الإنسان خاضع للتاريخ ولسيرورته ولا دور له في صناعة أحداثه
  • 1- موقف فريدريك هيغل: الإنسان وسيلة في يد التاريخ.
  • 2 – موقف كارل ماركس: الإنسان صانع التاريخ وفق الشروط المادية.
  • ثانيا: الإنسان صانع التاريخ
  • 1 – موقف جان بول سارتر: للإنسان دور في التاريخ وهو صانعه
  • خلاصة تركيبية

التأطير الإشكالي للمحور

إذا كان الإنسان الموضوع الرئيسي للفلسفة، ومحور تساؤلاتها وإشكالاتها، وإذا كان التاريخ هو الآخر موضوعا رئيسيا للفلسفة وللتفكير الفلسفي، فلابد من البحث والتساؤل عن طبيعة العلاقة القائمة بين الإنسان والتاريخ، وخاصة دوره فيه، أي دور الإنسان في التاريخ. والبحث في علاقة الإنسان بالتاريخ، يعني البحث فيما إن كان الإنسان، بما هو كائن واعي وعاقل ومفكر… هو صانع التاريخ، وموجهه، وإن كان هو من يؤثر فيه وفي أحداثه ووقائع، أم أن الإنسان ليس إلا وسيلة في يد التاريخ، ونتيجة لسيرورته وأحداثه ووقائعه. انطلاقا مما سبق يمكن أن نطرح التساؤلات والإشكالات التالية:

ما طبيعة العلاقة القائمة بين الإنسان والتاريخ؟ بتعبير آخر، ما طبيعة العلاقة بين الإنسان والأحداث والوقائع التاريخية؟ هل الإنسان للإنسان دور في التاريخ وهل هو صانع أحداثه ووقائعه أم أن التاريخ، وأحداثه ووقائعه، يبقى خارج إرادة الإنسان؟ أليس الإنسان مجرد وسيلة في يد التاريخ؟ ألا يمكن القول أن العلاقة بين التاريخ والإنسان علاقة جدلية يطبعها التأثير والتأثر؟

أولا: الإنسان خاضع للتاريخ ولسيرورته ولا دور له في صناعة أحداثه

إن القول بحتمية الأحداث التاريخية، وبحتمية لحظات التاريخ، يجعل الإنسان مجرد خاضع للتاريخ، ليبقى دوره هو خدمة التاريخ. ومن بين الذين أكدوا أن الإنسان خاضع للتاريخ نجد الفيلسوفين الألمانيين فريدريك هيغل وكارل ماركس.

موقف فريدريك هيغل: الإنسان وسيلة في يد التاريخ.

بخصوص دور الإنسان في التاريخ، ففريدريك هيغل يؤكد أن الإنسان ليس هو من يوجه التاريخ ويتحكم في أحداثه، كما أن التاريخ لا يخضع لإرادة الإنسان، بل إن الإنسان مجرد وسيلة في يد التاريخ. ولفهم هذا الموقف، لابد من العودة إلى موقف هيغل من حركة التاريخ.

يرى هيغل أن التاريخ، ما هو إلا التجسيد والتجلي الموضوعي للروح المطلق. ويرى أيضا أن الأحداث التاريخية يحكمها منطق الضرورة والحتمية. وإذا قلنا أن التاريخ ليس إلا تجل للروح المطلق، وأن التاريخ يحكمه منطق الحتمية، فإن الإنسان وفق هذا التصور لن يكون فاعلا في التاريخ، ولن يكون له دور في صناعة أحداثه، ما دامت الأحداث التاريخية تبقى خارج إرادته.

ولتوضيح كيف أن الإنسان خاضع للتاريخ، ومجرد وسيلة في يده. يمكن أن نقف عند قولة مشهورة لهيغل وهي: “رأيت روح العصر يمتطي جوادا”. ومضمون هذا القولة أن الروح المطلق قد تجسد وتجلى في شخص نابوليون بونابارت، كما أن ما قام به بونابارت في فرنسا، لم يقم به بمحض إرادته، ولا بشكل اختياري، بل كان خاضعا لما تقتضيه الضرورة التاريخية، ولما تقتضيه اللحظة التاريخية. وهنا يتحدث هيغل عن “مكر التاريخ”، حيث يظن الإنسان أنه هو الفاعل في التاريخ، وأن له دورا في صناعة أحداثه ووقائعه، لكنه ليس إلا وسيلة في يد التاريخ.

موقف كارل ماركس: الإنسان صانع التاريخ وفق الشروط المادية.

لا يختلف كارل ماركس عن فريدريك هيغل، في موقفه بخصوص دور الإنسان في التاريخ، إذ يرى هو الآخر أن الإنسان خاضع للتاريخ. فكارل ماركس يرى أن  التاريخ يتحرك وفق منطق الضرورة والحتمية، وأنه يسير نحو تحقيق غايته، والتي هي الرفاهية والحرية… وبالتالي فدور الإنسان لا يكون خارج إرادة التاريخ. ولمزيد من التوضيح نستحضر قول ماركس التالي: “إن الناس هم الذين يصنعون تاريخهم الخاص، إلا أنهم لا يفعلون ذلك عشوائيا، وضمن شروط من اختيارهم، بل ضمن شروط معطاة مسبقا وموروثة من الماضي”. ومضمون هذا القول، أن للإنسان دور في التاريخ، لكن دوره محدد وفق شروط ومحددات ليست من اختياره.

ولتوضيح الموقف الماركسي من طبيعة العلاقة بين الإنسان والتاريخ، يمكن أن نعود للمثال الذي قدمه هيغل، والذي قدمه أيضا ماركس، وهو مثال “نابليون بونابارت “. إن نابليون بونابارت وفق التصور الماركسي، ليس هو من  أدى إلى تكوين المجتمع الفرنسي الحديث، فلم يكن ذلك نتيجة لإرادته، بل كان نتيجة حتمية لتطورات مادية، مرتبطة بما هو اقتصادي واجتماعي على الخصوص، ونتيجة لتراكمات مرتبطة بالماضي.

  • وهكذا فدور الإنسان وفق كارل ماركس هو الدفع بعجلة التاريخ إلا الأمام، وإلى تحقيق غايته، وليس دوره هو تغيير مجرى التاريخ.

ثانيا: الإنسان صانع التاريخ

يذهب مجموعة من المفكرين والفلاسفة على الخصوص، إلى أن الإنسان هو صانع تاريخه، وأن الشروط التي تحدث عنها ماركس، وقال أنها هي التي تحدد سلوك الإنسان، ما هي إلا شروط من إنتاج الإنسان نفسه. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الفيلسوف جان بول سارتر.

موقف جان بول سارتر: للإنسان دور في التاريخ وهو صانعه

معاينة نص سارتر

إن سارتر، وكما هو معلوم في الأوساط الفلسفية، يدعى بفيلسوف الحرية. وعلى خلاف كارل ماركس، الذي جعل دور الإنسان محدودا بحدود الشروط المادية، فسارتر يرى أن للإنسان دور فعال في صناعة التاريخ، وأنه هو الذي يصنع تلك الشروط المادية التي تحدث عنها ماركس.

يؤكد جان بول ساتر، أن الناس هم الذين يصنعون التاريخ، وليس شروطهم السابقة، وفي هذا السياق يقول سارتر: “الناس هو الذين يصنعون التاريخ وليس شروطهم السابقة، وإلا سيصبحون مجرد محركين لقوى لا إنسانية ستقوم بالتحكم، من خلالهم، في العالم الاجتماعي”. وهكذا فسارتر ينفي فكرة تحكم ما هو لا إنساني، أي الشروط الواقعية، في الإنسان. زيادة على ذلك، يرى سارتر، أن انفلات التاريخ من الإنسان، ليس معناه أنه لا يصنعه، بل معناه أن الغير يصنعه أيضا، وهذا مضمون قوله : “إذا انفلت مني التاريخ، فليس مرد ذلك إلى كوني لا أصنعه أنا، بل مرده إلى أن الغير يصنعه هو أيضا”.

إذن فللإنسان دور في التاريخ، وفي صناعته وصناعة أحداثه ووقائعه.

خلاصة تركيبية:

إن العلاقة بين الإنسان والتاريخ لعلاقة معقدة ومتعددة الأبعاد، والذي يجعلها كذلك، هو تعقيد وتعدد أبعاد موضعي البحث، أي الإنسان من جهة والتاريخ من جهة أخرى. وذلك ما جعل المواقف تختلف وتتعدد، حيث أكد البعض أن الإنسان خاضع للتاريخ، ولسيرورته، ولأحداثه ووقائعه، منطلقين من كون التاريخ وفق منطق الحتمية، ونحو تحقيق غايته، وأقصى ما يمكن أن يفعله الإنسان هو أن يساهم في تحقيق تلك الغاية. وأكد البعض الآخر، أن الإنسان هو سيد التاريخ، وصانعه، وصانع أحداثه ووقائعه، منطلقين من خضوع التاريخ لإرادة الإنسان، واختياراته. ويمكن أن نختم بقول نيكولا مكيافيلي، والذي يعتبر موقفه موقفا وسطا بين الموقفين السابقين، فقد تحدث مكيافيلي التاريخ من زاوية القدر، وشبه القدر بالنهر، الذي نعجز أحيانا عن تغيير مجراه، ولكننا نستطيع ذلك أحيانا أخرى.

إغلاق