درس محور التاريخ وفكرة التقدم

درس محور التاريخ وفكرة التقدم
  • المادة: مادة الفلسفة
  • المستوى: الثانية باكالوريا
  • المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم: مفهوم التاريخ

المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم

تعريف مفهوم التاريخ ومفهوم التقدم:

مفهوم التاريخ:

التاريخ هو مجموع الوقائع والأحداث الإنسانية التي وقعت في الماضي والتي تشكل الأساس الذي يقوم عليه الحاضر.

مفهوم التقدم:

يعني التقدم السير قدما والحركة في اتجاه محدد، كما يعني التحول المتدرج من الأقل حسنا إلى الأحسن إما في مجال محدود وإما في مجمل الأمور.

الإشكالات والتساؤلات المؤطرة للمحور:

 كيف يسير التاريخ وما هو المنطق الذي يحكم الأحداث والوقائع التاريخية؟ هل يسير التاريخ وفق منطق الضرورة والحتمية أم وفق منطق الصدفة؟ وهل التاريخ يسير بشكل منتظم، وعبر تسلسل تصاعدي يرتبط فيه اللاحق بالسابق ويكون أكثر تقدما منه أم أن التاريخ لا يسير بشكل منتظم ومتسلسل؟ وهل للتاريخ غاية يهدف إلى تحقيقها؟

  • موقف فريدريك هيغل: التاريخ خاضع لمنطق الضرورة ويسير بشكل تصاعدي نحو تحقيق غايته

يرى الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل أن التاريخ يسير وفق خط متسلسل تصاعدي، ويرى أنه يسير نحو تحقيق غايته. ويرى هيغل أن هذا الخط التصاعدي للتاريخ يسير بشكل جدلي، حيث ينتقل من القضية إلى نقيض القضية، ثم إلى التركيب. ومعنى ذلك، أن التاريخ يسير عبر الانتقال من مرحلة تاريخية أدنى وأقل تقدما (القضية) إلى مرحلة متقدمة تتضمن المرحلة السابقة (النقيض) ثم إلى مرحلة أخرى تتضمن كلتا المرحلتين وتكون أكثر تقدما منهما (التركيب).

مثال يوضح الحركة الجدلية للتاريخ حسب هيغل:

  • القضية: الحضارات الشرقيّة القديمة (الصينيّة والهنديّة والفارسيّة والفرعونيّة) وقد تميزت هذه المرحلة، بنوع من العبودية، ولم يكن حرا إلا الحاكم.
  • نقيض القضية: حضارة اليونان والرومان: تميزت هذه المرحلة باتساع نطاق الحرية لتشمل المواطنين أيضا وليس الحكام فقط، لكن الحرية لم تشمل إلا المواطنين اليونانيين والرومانيين فقط، أما البقية فكانوا يصنفون كهمج وكبرابرة.
  • التركيب: الأمة الجرمانية: وتميزت هذه اللحظة بانتصارها للوعي والحرية، النظر إلى الإنسان إنسان حر.
  • موقف كارل ماركس: التاريخ خاضع لمنطق الضرورة ويسير بشكل تصاعدي نحو تحقيق غايته

يرى الفيلسوف الألماني كارل ماركس أن التاريخ يسير نحو تحقيق غاية محددة، وهي تحقيق الرفاهية والمساواة للناس دون استثناء. كما أن التاريخ يسير بشكل تترابط فيه الأحداث والوقائع بشكل متسلسل تصاعدي، وبشكل تكون فيه اللحظة اللاحقة أكثر تقدما ورقيا مقارنة باللحظة السابقة. كما أن التاريخ يخضع لمنطق الحتمية والضرورة، حيث تكون كل لحظة تاريخية لحظة ضرورية تفرضها الشروط المادية المرتبطة بما هو اقتصادي خاصة. وفي هذا السياق يرى ماركس أن التاريخ لابد أن يقطع اللحظات التالية:

1) المشاعية البدائية (تميزت بالملكية العامة)،

2) مرحلة الرق والعبودية والإقطاع (تميزت بالملكية الخاصة)

3) المرحلة البورجوازية (تميزت بالملكية الخاصة)

4) المرحلة الاشتراكية. هذه المرحلة الأخير ستتحقق فيها -حسب ماركس- الحرية والمساواة والرفاهية، لأنها تتميز بانتهاء النظام الاقتصادي القائم على الملكية الخاصة.

  • موقف كلود ليفي ستراوس: التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات

على خلاف ما ذهب إليه هيغل وماركس، ومجموعة من المفكرين والفلاسفة الآخرين، يرى كلود ليفي ستراوس أن التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات، ولا يخضع لمنطق الضرورة والحتمية. ففي كتابه “العرق والتاريخ” يؤكد أنه إذا كانت الإنسانية قد حققت منذ مراحلها الأولى أنواعا من التقدم كانت واضحة وباهرة، فإن هذا لا يعني أننا سنكون قادرين على ترتيب هذه الأنواع من التقدم، وفق تسلسل منظم ومتصل، فنجد مثلا أن تقنية نحت الحجر  وتقنية صقل الحجر قد تزامنتا.

وير ستراوس أن التاريخ لا يشبه السلم الذي يرتبط فيه اللاحق بالسابق ويكون أكثر تطور منه، وإنما هو أشبه بلاعب النرد، والذي قد يربح في مكعب ويخسر في آخر. أيضا فالقول بالتطور والتقدم من شأنه أن يخلق نوعا من التفاضل على مستوى لحظات التاريخ وهو ما يرفضه ستراوس.

أطروحات ومواقف فلسفية يمكن توظيفها بخصوص درس محور التاريخ وفكرة التقدم

موقف وأطروحة موريس ميلروبونتي

يرى الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي أن التاريخ إذا كان يتقدم وفق منطق محدد وخاضع للضرورة، فإنا هذا لا ينفي دور العرضية الذي يبقى اساسيا في التاريخ. فالأحداث التاريخية ليست وثيقة الصلة فيما بينها، فيمكن مثلا يحصل التقدم على مستوى النمو الاقتصادي ولا يحصل على مستوى النمو الايديولوجي، كما يمكن أن يحدث النضج الايديولوجي دون تتهيأ الشروط الموضوعية.

موقف وأطروحة ريمون آرون

يرى عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي ريمون آرون أن التقدم ليس إلا حكم قيمة، هدفه الأساسي هو تمجيد حاضر أمة من الأمم، وجعله نموذجا يتوجب على باقي الأمم الإقتداء به، وتبعا لذلك فهو ليس بمفهوم علمي. يقول آرون : “إن التقدم يتضمن أحكاما تقديرية، أي إثبات تفوق المجتمعات الحالية على المجتمعات القديمة، لذا لا يجب مبدئيا أن تصدر المعرفة العلمية حكما قيميا، وبالنتيجة تنتفي فكرة التقدم تلقائيا”.

موقف وأطروحة إدوارد كار

يرى المؤرخ والمفكر السياسي البريطاني المعاصر إدوارد كار أن هناك اختلافا وتمايزا بين مفهوم التطور ومفهوم التقديم، فمفهوم التطور ذو حمولة بيولوجية وهو يشير إلى النشوء والارتقاء، أما مفهوم التقدم فهو ذو بعد سوسيوتاريخي، وهو لا يتجه على شكل خط مستقيم متواصل، بل يتسم بالانقطاع وعدم الاستمرارية.

موقف وأطروحة هربرت ماركوز

يرى الفيلسوف والسوسيولوجي الألماني هربرت ماركوز، أن هناك نموذجان رئيسييان لمفهوم التقدم، يميزان الفترة المعاصرة من الحاضرة الغربية. فهناك تقدم كمي يتمثل في تنامي معارف الإنسان ومراكمة قدراته وخبراته في اتجاه تملك الطبيعة والسيطرة عليها، وهناك تقدم كيفي أو نوعي يتمثل في تقدم التاريخ صوب تحقيق الحرية الإنسانية، وصوب تحقيق ماهية الإنسان.

  • خلاصة تركيبية للمحور:

خلاصة القول، أن التصورات الفلسفية التي تعرضت لإشكال تقدم التاريخ، لا تتبنى نفس المواقف، وذلك راجع للخلفيات النظريات التي تحكم تلك التصورات. ويمكن أن نلخص تلك التصورات في تصورين أساسين، تصور يرى أن التاريخ يسير بشكل منتظم ومتسلسل ويسير نحو تحقيق غاية محددة، وتصور يرى أن التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات، ولا يخضع لمنطق الحتمية والتسلسل والانتظام.

لكن، رغم الاختلاف القائم بين التصورات، إلا أن الإشكال الفلسفي المرتبط بتقدم التاريخ له أهمية بالغة، وهو ما تؤكده الدراسات التي تحاول فهم التاريخ الإنساني وفهم مساره ومنطقه، من أجل استنباط العبر والدروس، ومن أجل استشراف واستباق المستقبل.

تحميل درس محور التاريخ وفكرة التقدم PDF

 تحميل الدرس PDF

إغلاق