نموذج تطبيقي لتحليل سؤال إشكالي مفتوح: هل يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ؟

نموذج تطبيقي لتحليل سؤال إشكالي مفتوح: هل يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ؟
المادة مادة الفلسفة
الفئة المستهدف الثانية بكالوريا شعبة الآداب والعلوم الإنسانية
المجزوءة الأولى مجزوءة الوضع البشري
المفهوم الثالث مفهوم التاريخ
المحور الأول محور المعرفة التاريخية
الموضوع تحليل سؤال إشكالي مفتوح: هل يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ؟

 

أولا: منهجية تحليل سؤال إشكالي مفتوح

منهجية تحليل سؤال اشكالي مفتوح
الفهم الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:

·       إدراك مجال السؤال وموضوعه

·       إبراز عناصر المفارقة أو التقابل،

·       صياغة الإشكال وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة

4 نقط
التحليل تحليل عناصر الإشكال وأسئلته الأساسية

توظيف المعرفة الفلسفية الملائمة لمعالجة الإشكال:

·       استحضار مفاهيم مرتبطة بالإشكال والاشتغال عليها،

·       البناء الحجاجي للمضامين الفلسفية

5نقط
المناقشة ·       مناقشة الأطروحة  أو الأطروحات التي يفترضها السؤال

·       طرح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال

5 نقط
التركيب ·       استخلاص نتائج التحليل والمناقشة

·       إمكان تقديم رأي شخصي مدعم

3 نقط
الجوانب الشكلية تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط. 3 نقط




شرح منهجية تحليل السؤال الإشكالي المفتوح

معاينة الشرح من هنا

ثانيا: نموذج تطبيقي لتحليل سؤال إشكالي مفتوح:

هل يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ؟

تعتبر قضية الوضع البشري قضية فلسفية بامتياز، لأن التفكير والبحث فيها ما هو إلا تفكير وبحث في الموضوع الرئيسي والمركزي للفكر الفلسفي، وهو موضوع الإنسان، وبحث في أبعاده الوجودية، وفي الشروط والمحددات التي تحكم وجوده. والتفكير في قضية الوضع البشري يقودنا إلى التفكير في مجموعة من القضايا الفلسفية المرتبطة بها، من بينها قضية التاريخ، التي تطرح مجموعة من التساؤلات والإشكالات والتي من بينها إشكال المعرفة التاريخية، وهو نفسه الإشكال الذي يتضمنه السؤال الإشكال المفتوح الذي نحن بصدد الاشتغال عليه، والذي يتضمن مفارقة فلسفية متعلقة بالمعرفة العلمية للتاريخ، وهي أن المعرفة العلمية بالتاريخ قد تكون ممكنة، وقد تكون غير ممكنة، لتبقى مجرد معرفة تخمينية وافتراضية… كل ذلك يدفعنا إلى طرح التساؤلات والإشكالات الفلسفية التالية: ما التاريخ، وما المعرفة؟ وهل يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ؟ بتعبير آخر، هل يمكن بناء معرفة دقيقة وموضوعية حول الماضي الإنساني أم أن المعرفة بالتاريخ لا يمكن أن تكون معرفة علمية وتبقى مجرد معرفة ذاتية غير دقيقة وغير يقينية؟ وإن كان بالإمكان بناء معرفة علمية بالتاريخ فكيف ذلك، وإن كان من غير الممكن بناء معرفة علمية بالتاريخ، فما العوائق والحواجز التي التي تجعل الأمر غير ممكن؟

 

قبل الإجابة عن التساؤلات والاشكالات المطروحة، لابد أولا من تحليل عناصر الإشكال وأسئلته الأساسية، ومن خاصة من حيث مفاهيمه ومضمونه. بخصوص البنية المفاهيمية للإشكال، فهو يتشكل من مفهوم المعرفة، وخاصة المعرفة العلمية، ومن مفهوم التاريخ. وبالنسبة لمفهوم المعرفة فهي يشير إلا العلمية الفكرية التي يتم من خلالها إدراك الذات العارفة لموضوع المعرفة، وتكون المعرفة علمية إن هي قامت على مناهج وقواعد مضبوطة، وأيضا كانت معرفة موضوعية، وكانت معرفة يقينية ودقيقة. وبالنسبة لمفهوم التاريخ فيدل على الأحداث والوقائع المرتبطة بعصر أو أمة أو فرع من فروع الفكر الإنساني. أما بخصوص مضمون الإشكال، فيتضح أن يسأل ويبحث في موضوع المعرفة التاريخية، أي المعرفة التي يكونها الإنسان عن ماضيه وما يشمله من أحداث ووقائع، ويبحث بشكل خاصة في مدى إمكانية بناء معرفة علمية ويقينية وموضوعية ودقيقة بالتاريخ وبأحداثه ووقائعه.

بعد تحليل عناصر الإشكال وأسئلته الأساسية، يمكن أن نؤكد أنه يمكن بناء معرفة علمية بالتاريخ، وخاصة إن تم اعتماد منهج مضبوط وصارم ودقيقة، وأيضا إن تم اعتماد التحقيق والتعليل، بدل الاعتماد على مجرد النقل والسرد والحكي. ولتوضح هذا القول، ولتدعيم هذا القول، يمكن أن نستحضر تعريف المؤرخ الفرنسي هنري إنري مارو للتاريخ، حيث عرفه بقوله: “التاريخ هو المعرفة العلمية بالماضي الإنساني”، وهنا يتضح لنا كيف أن هنري إنري مارو، يقول بإمكانية بناء معرفة علمية بالتاريخ. وفي السياق ذاته، يحدثنا هنري مارو عن ما يجعل المعرفة التاريخية معرفة علمية، حيث يرى أن التاريخ ليس سردا أو حكيا للماضي الإنساني، كما أنه ليس عملا أدبيا. إضافة إلى ذلك يؤكد أن الذي يجعل التاريخ علميا، ويجعل المعرفة التاريخية معرفة علمية، هو عدم تضمنها لما هو أسطوري، أو لما هو طوباوي ولاواقعي. وفي المقابل، ولكي تكون المعرفة التاريخية معرفة علمية، يجب على المؤرخ أن يعتمد منهجا صارما يخلص المعرفة بالتاريخ من كل ما لا يعتبر تاريخيا.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن نقف عند موقف المفكر عبد الرحمان بن خلدون، والذي يؤكد أن المعرفة التاريخية يمكن أن تكون معرفة العلمية، وخاصة التي ليست مجرد رواية وسرد للأخبار ، والتي تعتمد  النظر العقلي والتحقيق والتعليل والعلم بالكيفيات والأسباب. وفي ذلك يميز ابن خلدون بين ظاهر التاريخ وباطنه، من حيث أنه في باطنه ما هو إلا نقل للأخبار، أما في باطنه فهو نظر (عقلي) وتحقيق، وتعليل، وعلم بكيفية حدوث الوقائع. ويتبين أن ابن خلدون ينتصر لباطن التاريخ، لأنه هو ما يجعل منه علما.

 

لكن، لا يمكن أن تكون المعرفة التاريخية دائما معرفة علمية، وهنا يمكن أن نتساءل: ما الذي يجعل المعرفة التاريخية معرفة غير علمية؟

إن موضوع المعرفة التاريخية، هو الأحداث والوقائع الماضية، وبعض الأحداث والواقع ترتبط بالماضي البعيد، والذي يصعب استحضاره كما هو، وهنا يتبين لنا أن المعرفة بتلك الوقائع والأحداث قد تكون مجرد معرفة افتراضية وتخمينية، وبالتالي فهي ليست معرفة علمية. أيضا فالتاريخ يدخل ضمن العلوم الإنسانية، وقد أكد الكثير من المفكرين وعلماء الإنسان، أن المعرفة في العلوم الإنسانية ليست معرفة علمية بالمعنى الدقيق، لأن شرط العلمية هو الموضوعية، وكما قال جان بياجي أن الباحث في العلوم الإنسانية لا يستطيع التخلي عن ذاتيته، أي عن أهوائه وميولاتها وانتماءاته السياسية والدينية والعرقية. إضافة إلى ما سبق، وفي ارتباطنا بالحديث عن عدم علمية المعرفة التاريخية، يمكن أن نقف عند موقف عالم الاجتماع ماكس فيبر لنحدد من خلاله ما يقف كعائق أما المعرفة التاريخية.

يؤكد ماكس فيبر، أن الحوادث التاريخية تتميز بالكثافة من جهة وبالتفرد من جهة ثانية، و الخاصية الأولى تطرح صعوبة الإحاطة بجميع الحوادث التاريخية، أما الخاصية الثانية فتطرح صعوبة كشف قوانين ثابتة لتلك الحوادث، كما هو الحال بالنسبة للعلوم الحقة التي تستطيع ذلك إزاء ظواهرها. إضافة إلى ذلك يؤكد ماكس فيبرأن المؤرخ لا يفصل ذاته وإيديولوجيته في دراسته للحوادث التاريخية، ففي تفسيره لها، ينتقي عوامل واسباب دون الأخرى، انطلاقا من قيمه وأحكامه الذاتية.

أكثر من ذلك، يذهب البعض، إلى أن التاريخ ليس علما، ففي التاريخ لا يمكن أن نشتغل وفق متغيرات، ووفق أطر ونماذج نظرية، كما لا يمكن أن نخلص إلى قوانين ثابتة، كما أن المعرفة التاريخية ليست بالعلمية. وهذا ما أكدف الابستمولوجي الفرنسي غاستون غرانجي، الذي أكد أن التاريخ يدخل في إطار الرواية حين يميل إلى ما هو جمالي، كما أكد أن التاريخ ليس إلا إيديولوجيا.

 

خاتمة القول، أن إشكال المعرفة التاريخية إشكال فلسفي بامتياز، حيث قادنا إلى الخوض في قضية التاريخ، وقادنا إلى التساؤل عن المعرفة التاريخية، وإن كان يمكن أن تكون معرفة علمية. وبعد اشتغالنا على الإشكال، تبين لنا كيف أن المعرفة التاريخية يمكن أن تكون معرفة علمية، إن هي قامت على التحقيق والتعليل والتقصي والنظر العقلي، وأن اعتمد المؤرخ على منهج صارم ودقيق. لكنها يمكن أن تكون معرفة غير علمية، وخاصة إن اعتمدت على مجرد السرد والحكي والنقل دون تبصر ودون تحقيق وتعليل، كما أن المعرفة التاريخية قد تكون غير علمية، إن لم يستطع المؤرخ فصل ذاته عن الحوادث التاريخية الت يدرسها، وإن لم يستطع تخليص المعرفة التاريخية مما لا يعتبر تاريخيا كالأسطورة والحكايات الشعبية والرواية…

 

إغلاق