المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

موضوع الدرس

  • المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم: مفهوم الشخص
  • المحور الثالث: محور الشخص بين الحرية والضرورة

محاور الدرس:

  • أولا: دلالة مفهومي الحرية والضرورة
  • ثانيا: التأطير الإشكالي للمحور (الوضعية المشكلة
  • ثالثا: مواقف وتصورات فلسفية

مفهوم الشخص ومفهومي الحرية والضرورة

تعريف مفهوم الشخص

الشخص: يعرف جون لوك الشخص بكونه كائنا مفكرا عاقلا قادرا على التعقل والتأمل ، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة.

تعريف مفهوم الحرية

تعني الحرية حسب معجم جميل صليبا :  خاصية الموجود الخالص من القيود، العامل بإرادته أو طبيعته… 

تعريف مفهوم الضرورة

تعني الضرورة الخضوع وغياب الحرية في الفعل، وبالتالي فهي تأتي في مقابل مفهوم الحرية، بحيث تدل على الإكراه، والحتميات والإشراطات التي تجعل من سلوك الشخص سلوكا مفروضا، غير نابع من اختياره أو إرادته. لكن الحتمية تختلف عن الضرورة، فالحتمية لا يمكن أن نتجاوزها، عكس الضرورة التي يمكن تجاوزها.

وتأخذ الضرورات عدة أشكال، فهناك الضرورة الطبيعة وهناك الضرورة الاجتماعية والضرورة السيكولوجية.

ثانيا: التأطير الإشكالي:

كثيرة هي القضايا التي تطرقت إليها الفلسفة وحاولت دراستها وكشف حقيقتها. ومن بين القضايا التي اهتم بها الفلسفة نجد قضية الشخص. والحديث عن الشخص هو حديث عن الذات الإنسانية، باعتبارها ذاتا واعية وعاقلة، وقادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب، وباعتبارها ذاتا تتحمل مسؤولية أفعالها قانونيا وأخلاقيا. لكن، وإضافة إلى ما سبق ذكره، فالشخص يعرف كذلك باعتباره ذاتا حرة، نظرا لما يتمتع به من إرادة وقدرة على الاختيار، وهكذا نقول أن الشخص يتمتع بالحرية. غير أن الشخص يعتبر كائنا طبيعيا أيضا، وهو ما يعني أنه يخضع لقوانين الطبيعة مثله مثل باقي الكائنات الطبيعية الأخرى. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة حريته، وإن كان حرا في ذاتها  وتصرفاته واختياراته، نظرا لما يتمتع به من إرادة وقدرة على الاختيار، أم أنه يظل كائنا فاقدا للحرية مثله مثل باقي الكائنة الأخرى. كل هذا يدفعنا إلى التساؤل:

ما الشخص وما الحرية؟ وما طبيعة العلاقة بين الشخص والحرية؟ هل الشخص حر في ذاته وأفعاله واختياراته، أم أنه خاضع للضرورة؟ وإن كان حرا فما الذي يجعله كذلك، وإن كان خاضعا للضرورة فما طبيعتها، هل هي ضرورة طبيعية بيولوجية أم هي ضرورة اجتماعية أم هي ضرورة نفسية؟ وألا يمكن القول أن الشخص لا هو حر بشكل مطلق ولا هو خاضع بشكل مطلق؟




 

ثالثا: مواقف وتصورات فلسفية بخصوص الشخص بين الحرية والضرورة

  • موقف الفيلسوف باروخ سبينوزا: “القول الحرية جهل بالأسباب”

يتبنى الفيلسوف الهولندي صاحب مؤلف رسالة في اللاهوت والسياسة أطروحة مفادها أنه لا وجود لحرية إنسانية تجعل من الشخص كائنا أسمى من الطبيعة. وما شعورنا بالحرية إلا وهم ناشئ عن تخيلنا بأننا أحرار، وعن جهلنا بالأسباب  الحقيقة التي تسيرنا. ولتأكيد أطروحته اعتمد باروخ اسبينوزا مجموعة من الآليات الحجاجية، من بينها حجة التمثيل، حيث  شبه  الإنسان بالحجر الساقط، هذا الحجر يتحرك بفعل سبب أو قوة خارجية “وحين يتوقف الفعل الناتج عن السبب الخارجي، فإن قطعة الحجر ستواصل تحركها بالضرورة، واستمرارها في الحركة أمر مفروض من الخارج..” فلو كان لقطع الحجر تلك الوعي لظنت أنها حرة في حركتها وأن هذه الحركة نابعة من مجهودها الذاتي وليس بفعل قوة خارجية. ليصل اسبينوزا إلى أن تلك هي الحرية التي يتبجح بها الإنسان، لكنها تقوم فقط على واقعة أن للناس وعي بشهواتهم، لكنهم يجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا. 

إضافة إلى ذلك اعتمد اسبينوزا مجموعة الأمثلة من حياة الناس، كمثال الطفل الذي يعتقد انه يشتهي الحليب بحرية وإرادة، بينما لا يشتهيه إلى بدافع غريزة الجوع. ومثال الشاب الحانق الذي يرغب في الانتقام من عدو له والجبان الذي يلوذ بالفرار من خطر يهدد حياته، فهما يعتقدان أنهما يقومان بذلك بمحض إرادتهما، ما يشعرهما بأنهما أحرار، لكن الأمر عكس ذلك، فالانتقام والهرب من الخطر، هو في واقع الأمر استجابة لدافع خارج إرادة الشخص، ولا مجال للحديث هنا عن حرية ذاتية بعيدة عن كل إكراه كيفما كان مصدره.

  • موقف الفيلسوف جان بول سارتر: “الإنسان مشروع”

إذا كان اسبينوزا ومجموعة من علماء الإنسان، قد ذهبوا إلى أن الشخص خاضع للضرورة، سواء كانت تلك الضرورة طبيعية أو اجتماعية أو سيكولوجية، فإن الفيلسوف الوجودي المعاصر الفرنسي جان بول سارتر يذهب إلى أن الإنسان حر. وينطلق في موقفه هذا من مبدأ وهو الإقرار بأن الوجود يسبق الماهية، بمعنى أن الإنسان يولد أولا ويلاقي ذاته ويبرز إلى العالم، ثم يحدد بعد ذلك ما سيكون.

 إن الإنسان حسب سارتر غير قابل للتعريف عندما يكون لا شيء، وسيكون ما سيصنعه بنفسه فيما بعد. إن الإنسان في نظر سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته، وهنا نفهم لماذا يعتبر سارتر الإنسان مشروعا.




 

  • موقف الفيلسوف إيمانويل مونييه: حرية الشخص حرية مشروطة

يؤكد الفيلسوف الفرنسي المعاصر رائد الاتجاه الشخصاني إيمانويل مونييه أن حرية الإنسان ككل ما هي إلا حرية شخص، وأن الحرية ملازمة للوضع الواقعي ومحصورة في نطاق حدوده، وبهذا فالحرية ليست حرية مطلقة. لذلك وجب أولا القبول بالظروف الأولية، لأنه ليس كل شيء ممكنا، وبعد ذلك البحث عن التحرر من خلال الاختيار والتضحية، وهنا يتضح كيف أن الحرية مرتبطة بالحواجز، فلا يمكن حسب مونييه الحديث عن حرية دون وجود حواجز، حيث يقول: هذه الحدود تشكل قوة عندما لا تكون ضيقة جدا. ولزيادة الإيضاح يمكن الوقف عند بعض المفاهيم المركزية في فلسفة مونييه والتي من بينها نجد مفهوما التحرر والشخصنة. 

أما بخصوص التحرر، فيعني أن الحرية ليست معطاة إنما هي فعالية، وأما بخصوص الشخصنة فهي عملية يقوم بها الكائن البشري حتى يصل إلى مرحلة الإنسان بالانفتاح على المثل العليا وعلى المجتمع وعلى العالم.

إذن فمونييه يرى أن الإنسان ليس حرا من حيث ماهيته، فالحرية فعالية، وليست ومعطاة. ولذلك فالإنسان هو من يحرر ذاته، وفق الشروط الواقعية. وهكذا فالحرية ليست بالمستحيلة ولا هي ممكنة دائما.

خلاصة تركيبية للمحور

نخلص في الأخير إلى أن الشخص بما هو ذات إنسانية عاقلة وواعية، يخضع إلى مجموعة من الإشراطات والضرورات منها ما هو طبيعي بحكم انتماء الإنسان إلى عالم الطبيعة،  ومنها ما هو اجتماعي بحكم كون الإنسان كائنا اجتماعيا،  ومنها ما سيكولوجي بحكم كون الإنسان يشكل بنية سيكولوجية ، غير أن الشخص يمتلك ما يمكنه من تجاوز كل تلك الضرورات والإشراطات  ولو بشكل نسبي، فالشخص كما عرفه جون لوك كائن مفكر وذكي، وخاصية الفكر والوعي تمكن الشخص من التعالي ومن تجاوز وضعه. فالقول بالخضوع المطلق للشخص سيجعله في نفس درجة باقي الموجودات، أكثر من ذلك فالقول بالحرية هو الذي سيجعل الشخص يتحمل مسؤولية أفعاله واختياراته.

نص للامتحان والتقويم في موضوع الشخص بين الحرية والضرورة

” الإنسان كائن طبيعي وخاضع لقوانين الطبيعة، وهو بالتالي خاضع للضرورة. إننا لا نتحكم في تكويننا، فأفكارنا لا تصدر عن إرادتنا وإنما هي نتاج مؤثرات محددة: أحس بالعطش فأرى نافورة ماء فتنتابني رغبة في الشرب، وعندما يخبرني أحدهم أن بالماء سما أمتنع عن القيام بذلك. هل كنت حرا فيما قمت به من أفعال؟

إن العطش يدفعني بالضرورة إلى الشرب، غير أن دافع الخوف من الموت جراء السم يكون أقوى من دافع العطش فأمتنع بالضرورة، أيضا، عن الشرب. ولكن قد يتم الاعتراض علينا بالقول إن إنسانا أقل حذرا قد لا يمتنع عن الشرب على الرغم من تنبيهه إلى وجود السم بالماء. في هذه الحالة يكون دافع العطش لديه أقوى من دافع الخوف من التسمم… ولكن في كلتا الحالتين فإن التصرفين معا، ورغم تعارضهما، محكومان بالضرورة.

إن قدرة الشخص على الاختيار لا تعني أبدا أنه حر، فهو لا يملك أن يرغب أو لا يرغب، وقصارى ما يستطيعه أن يقاوم الرغبة أحيانا متى فكر في عواقب الفعل، ولكن هل يستطيع، دائما، التفكير في تلك العواقب؟ إن تصرفات الأشخاص لا تكون حرة، أبدا، بل هي دائما نتاج سلسلة من الضرورات المرتبطة بأمزجتهم وأفكارهم المسبقة “

حلل (ي) النص وناقشه (يه).

ورد هذا النص في الامتحان الوطني لسنة 2016

إغلاق