الدولة بين الحق والعنف

  • المجزوءة: مجزوءة السياسة
  • المفهوم : مفهوم الدولة
  • المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف

الدولة بين الحق والعنف

التأطير الإشكالي: 

تروم السياسية إلى تخليص المجتمع من العنف، وتحقيق السلم والوفاق بين أفراد المجتمعات. ولتحقيق تلك الغاية تم خلق مجموعة من المؤسسات، نذكر على الخصوص مؤسسة الدولة. هذه الأخيرة تمثل مجموعة الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما، وهنا نتساءل عن ممارسة الدولة للسلطة والحكم، وإن كانت تقوم على العنف أم أنها تقوم على الحق، وإن كان يمكن أن تزاوج بينهما، وكذلك إن كان عنفها عنفا مشروعا من الناحية القانونية من الناحية الأخلاقية.

إذن، فما الدولة وما الحق وما العنف؟ وما طبيعة العلاقة بين الدولة وكل من الحق والعنف؟ هل تقوم سلطة الدولة وممارستها السياسية على الحق والقانون أم أنها تقوم على العنف والقوة؟ وهل يمكن تبرير عنف الدولة أم أن العنف يتعارض تعارضا كليا مع دولة الحق ويتعارض مع طبيعتها العقلانية الأخلاقية والقانونية؟

تعريف المفاهيم: الدولة، الحق، العنف

تعريف مفهوم الدولة:

في معناها الخاص تعني الدولة مجموع الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما.

تعريف مفهوم العنف:

العنف من الناحية الآخلاقية يعني كل ضرر يلحق الشخص، سواء كان الشخص قد ألحقه بنفسه أو بغيره أو ألحقه الغير به. أما من الناحية القانونية فيعنى استخدام القوة استخدام  غير مشروع، أي غير مطابق للقانون

تعريف مفهوم الحق:

يعني فعلُ فعلٍ أو الاستمتاع بشيء أو إلزام الغير به، تبعا لقواعد تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع. كما يعني الحق كل ما هو مطابق لقاعدة محددة ولما هو مؤسس ومشروع.   

مواقف وتصورات عالجت موضوع الدولة بين الجق والعنف

كثيرة هي التصورات والمواقف التي عالجة موضوع الدولة بين الحق والعنف، نذكر على سبيل المثال موقف وتصور كل من ماكس فيبر وجاكلين روس

موقف ماكس فيبر: العلاقة بين الدولة والعنف علاقة وثيقة وحميمية.

يرى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في كتابه “رجل العلم والسياسة”، أن العنف المادي هو الوسيلة المميزة للدولة، وأنه وسيلتها الخاصة. ويستشهد ماكس فيبر بقول رجل السياسة الروسي “تروتسكي” الذي قال: “كل دولة تقوم على العنف”، ومضمون هذا القول أنه لا وجود لدولة لا تستخدم العنف، وأن العلاقة بين الدولة والعنف هي علاقة وثيقة وحميمية.

ويرى ماكس فيبر أن الدولة هي التي تحتكر لنفسها الحق في استعمال العنف المادي، أي أنها هي الجهة الوحيدة التي يحق لها استخدام العنف، وأن الأفراد ليس لهم الحق في ذلك. لكن ماكس فيبر لا يتحدث عن كل أشكال العنف، وإنما يتحدث بشكل خاص عن العنف المشروع، وهو العنف الذي لا يتناقض مع الطابع العقلاني والقانوني للدولة.

موقف جاكلين روس: دولة الحق والقانون وفصل السلط

ترى الأكاديمية والمؤلفة الفرنسية جاكلين روس، أن دولة الحق لا تتمثل فقط في صورتها القانونية المجردة، بل تتمثل في يتحقق في المجتمع. كما ترى أن دولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، وتتشبث بالقانون واحترام الحريات… إضافة إلى ذلك، تؤكد جاكلين روس أن دولة الحق هي دولة حق وقانون،  والذي يجعلها دولة حق وقانون هو مبدأ احترام الشخص، الذي يضمن الحريات الفردية والكرامة الإنسانية ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف.

بالإضافة إلى ذلك، فجاكلين روس تؤكد أن سلطة دولة الحق تتخذ ثلاثة ملامح: القانون والحق وفصل السلط، وتضمن جميعها احترام الشخص. وتعتبر فصل السلط بمثابة الآلية العملية التي تضمن الاحتماء الفعال في سلطة دولة الحق.

تصورات ومواقف أخرى يمكن توظيفها بخصوص الدولة بين الحق والعنف

موقف نيكولا ماكيافيلي:

يرى ماكيافيلي أن مجال السياسة هو مجال الصراع، وأن الحاكم يجب عليه أن يسلك طريق القوة وطريق القانون، حسب ما ييتطلبه الواقع.

موقف باروخ اسبينوزا:

يرى باروخ اسبينوزا أن غاية الدولة هي الحرية، وليس السيادة أو إرهاب الناس. وهنا يظهر معارضة اسبينوزا للعنف والقوة.

موقف عبد الله العروي

يرى المفكر المغربي عبد الله العروي أن أن دولة الحق هي التي تجمع بين ما هو تنظيمي إداري، وبين ما هو ذهني وسلوكي أخلاقي. لكن الدولة في القائمة في المجتمعات العربية، لا تعبر عن نشأة مجتمع سياسي، لأنها تفتقد إلى محددين هما: الشرعية والإجماع.

موقف بول ريكور:

يرى الفيلسوف الفرنسي المعاصر بول ريكور أن فكرة السلطة لا تختزل إلى فكرة العنف، لأن منح الدولة امتياز العنف المشروع،  لا يعني تعريفها انطلاقا من العنف وإنما انطلاقا من السلطة.

موقف فريدريك إنجلز

يؤكد الفيلسوف الألماني فريدريك إنجلز أن الدولة ليست إلا نتيجة للصراع وبين الطبقات، “وبما أنها تولدت في قلب هذا الصراع، فإنها في الأغلب الأعم، دولة الطبقة الأقوى أي الطبقة التي تسود وتسيطر اقتصاديا…

خلاصة تركيبية

إن علاقة الدولة بالحق وبالعنف علاقة مركبة، متعددة الأوجه. فالدولة من جهة تنهج طريق الحق والقانون، وهو ما يجعلها دولة ح وقانون. لكنها قد تنهج طريق القوة والعنف. لكن، يمكن لعنف الدولة أن يكون عنفا مشروعا إذا أخذ بعين الاعتبار مصلحة الأفراد وحرياتهم، وإذا كان عنفا غير مناقض للقانون والتشريعات، لكنه قد يكون عنفا غير مشروع، إذا كان منافيا للقيم الأخلاقية وإذا كان لا يخدم المصلحة العامة لأفراد الدولة. والذي يجعل سلطة الدولة لا تستقر على نهج واحد، هو اختلاف غاياتها، فالدولة التي غايتها خدمة مصالح الأفراد ليست هي الدولة التي غايتها حفظ بقاءها وحفظ استمرارها، وليست هي الدولة التي غايتها حفظ مصالح طبقة دون الأخرى.

إغلاق