طبيعة السلطة السياسية للدولة

  • المادة: مادة الفلسفة
  • المجزوءة: مجزوءة السياسة
  • المفهوم: مفهوم الدولة
  • المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية

طبيعة السلطة السياسية

  • التأطير الإشكالي للمحور

إذا كانت السياسة تعني فن تدبير الشأن العام لأفراد المجتمع، لغاية تحقيق السعادة والخير والقضاء على العنف، فإن الدولة هي المؤسسة السياسية التي توكل إليها تلك المهمة، أي مهمة تدبير الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأفراد المجتمع، من خلال مجموعة من المؤسسات والأجهزة. والذي يجعل الدولة قادرة على ذلك، أي تدبير الشأن العام، هو امتلاكها للسلطة، والتي تسمح لها بممارسة التأثير على الأفراد الذين يمتثلون لها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، بخصوص سلطة الدولة، هو طبيعة تلك السلطة، وطبيعة الممارسة السياسية للدولة وأجهزتها، وبصيغة أدق، فالسؤال هو ما إذا كانت الدولة تعتمد على الحق والقانون وفصل السلط والعدالة، أم أنها تقوم على العنف والقوة والتسلط، وكذلك إن كان عنف الدولة عنفا مشروعا له ما يبرره.

فما الدولة وما السلطة؟ وما طبيعة السلطة السياسية للدولة؟ هل تقوم السلطة السياسية للدولة على الحق والقانون واحترام الأفراد واحترام حرياتهم، أم أنها تقوم على العنف والقوة؟ وهل يتناقض عنف الدولة مع طابعها العقلاني القانوني؟

تعريف مفهوم الدولة ومفهوم السلطة

تعريف الدولة:

الدولة في معناها العام  تعني “جماعة كبيرة من الناس، تسكن أرضا معينة بصفة دائمة، ويجمعها نظام سياسي، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال”

الدولة في معناها الخاص تعني  “الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما”

تعريف السلطة:

السلطة هي القدرة التي يتوفر عليها فرد أو جماعة، فتمارس تأثيرها على الآخرين وتوجه تصرفاتهم، وإذا أسست هذه السلطة على مبادئ مقبولة فإنها تسمى سلطة مشروعة، وإذا تأسست على القوية غير المبررة تسمى تسلطا.

  • باروخ اسبينوزا: السلطة السياسية سلطة عقلانية

يرى الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا أن غاية الدولة هي الحرية، وليست هي إرهاب الناس. ويستشف من هذا القول، أن الدولة في ممارستها السياسية، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الغاية التي جاءت من أجلها، وهي تمتيع الأفراد بحقهم وحريتهم في التفكير والتعبير، وليس ترهيب أو تخويفهم. فغاية الدولة –حسب سبينوزا- لا تكمن في فرض القوانين بالقوة والقهر والعنف، بل يتأتى عن طريق فتح المجال أمام الأفراد للتعبير عن مطالبهم وحقوقهم، ولهذا فإن سبينوزا يرى بأنه كلما زادت القوانين قوة، زادت من عصيان ومقاومة الأفراد للسلطة السياسية، ويفتح المجال أما ممارسات عنيفة وانحلالات اجتماعية بمختلف أنواعها.

في السياق ذاته يمكن الانفتاح على تصورات فلاسفة الأنوار أمثال جون لوك وإيمانويل كانط وروسو ومونتسكيو، الذين يؤكدون بدورهم على ضرورة اعتماد منطق الحق والعدالة والقانون وفصل السلط بدل العنف والترهيب والتخويف والاستبداد.

كذلك نجد المفكر العربي ابن خلدون يؤكد أن مجال السياسة  ليس مجال صراع بين الحاكم والمحكوم، وإنما هو مجال للأخلاق والاعتدال، ولذلك يجب على الحاكم التحلي بصفات الاعتدال والرفق.

  • نيكولا ميكيافيلي: السياسة مجال للصراع

على خلاف مجموعة من الفلاسفة والمفكرين، الذين نجدهم يؤكدون أن مجال السياسية هو مجال للممارسة العقلانية للسلطة، ومجال للأخلاق والاعتدال، نجد رجل السياسة الإيطالي نيكولا ميكيافيلي يؤكد أن مجال السياسة هو مجال الصراع. ومن هذا المنطلق يؤكد ميكيافلي أن الحاكم يجب أن يعتمد في ممارسته السياسية على كل ما من شأنه أن يحفظ له سلطته وبقاءه في الحكم، وكل ما من شأنه أن يؤثر على عقول الناس. وهذا ما يوضحه كاتبه “الأمير”، الذي هو عبارة عن وصايا للحاكم. ومن بين تلك الوصايا أن الحاكم يجب أن يكون قويا كالأسد ليرعب ويخيف، وأن يكون كالثعلب الذي يتميز بالمكر والخداع. كما أن الحاكم لا يجب عليه أن يتصف بالاستقامة، وأن ينقض العهد، وأن يعتمد طريقة القانون وطريقة القوة.

وقد كان تصور نيكولا ميكيافيلي نابعا من تصوره للطبيعة الإنسانية باعتبارها طبيعة شريرة، ومن واقع إيطاليا في زمانه، حيث كانت تعرف انقساما سياسيا وعدم الاستقرار السياسي.

ويمكن تعزيز هذا التصور بموقف الفيلسوف الإنجليزي طوماس هوبز الذي يرى أن الدولة يجب أن تكون كالتنين.

خلاصة تركيبية

استنادا إلى ما سبق، نستنتج أن السلطة السياسية للدولة ليست ذات طبيعة واحدة، وإنما هي ذات أشكال وأوجه متعددة. وعموما يمكن التمييز بين شكلين من أشكال السلطة السياسية، السلطة السياسية القائمة على الحق والقانون والعدالة وفصل السلط، وهي السلطة القائمة على منطق العقل والأخلاق، والسلطة السياسية القائمة على العنف والمكر والقوة. ويرجع الاختلاف بين تلك التصورات إلى اختلاف المرجعيات الفكرية واختلاف المنطلقات فهناك من ينطلق من الطبيعة الخير للإنسان، وهناك من ينطلق من الطبيعة الشريرة للإنسان، كما أن هناك من ينطلق مما يجب أن يكون، وهناك من ينطلق من الواقع ومما هو كائن.

 

 

إغلاق