تحليل نص جون لوك الشعور أساس لهوية الشخص – ذ. اوبها محمد

تحليل نص جون لوك  الشعور أساس لهوية الشخص – ذ. اوبها محمد
  • الفئة المستهدفة: الثانية باكالوريا
  • المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري
  • المفهوم : مفهوم الشخص
  • المحور الأول: محور الشخص والهوية – تحليل نص جون لوك
  • إعداد: ذ:محمد أوبها

 

تحليل نص جون لوك

معاينة النص 

إن الاهتمام بالإنسان كشخص والبحث عن هويته وقيمته في هذا الوجود ليس اهتماما حديث العهد في الفلسفة بل اهتماما تمتد جذوره إلى مرحلة اليونان القديمة، فعبارة سقراط “أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك”، ماهي إلى دعوة الإنسان لمعرفة ذاته ومساءلة هويتها هذه الهوية التي ظلت ملازمة للتفكير الفلسفي الحديث منه والمعاصر جسدها سؤال ديكارت الشهير في كتابه التأملات أي شيء أنا إذا”وأيضا سؤال باسكالما الأنا؟وسؤال شوبنهور على ماذا تتوقف هوية الشخص؟”، ليمتد هذا السؤال إلى الفلسفة المعاصرة مع هيدغر وسارتر…لكن الجواب الذي قدم لسؤال الهوية عبر تاريخ الفلسفة لم يكن بجواب متجانس، وقد تعددت الأجوبة بتعدد الفلاسفة وانتماءاتهم الاجتماعية والطبقية والحقب التاريخية مما يجعل موضوع قيمة الشخص. والنص الذي أمامنا هو محاولة للإجابة عن هذا الإشكال الذي يمكن صياغة تساؤلاته على الشكل التالي: ما لشخص؟ ما الهوية؟ ما الذي يؤسس هوية الشخص؟ بمعنى ما الجوهر الثابت الذي يجعل الشخص يشعر أنه متطابق مع ذاته؟ هل الهوية ثابتة أم متغيرة؟ هل تتوقف على مادة جسمه أم على محددات ماهوية من قبيل الشعور والإرادة والوعي؟ هل الهوية فردية أم جماعية؟
إن التأمل المتأني في مضمون النص يكشف عن أطروحة مركزية مفادها أن أساس هوية الشخص هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة بمعنى أن الجوهر الثابت  في الشخص هو الشعور الذي لا يقبل الانفصال عن الفكر، أي تلك المعرفة التي تصاحب على النحور الدائم إدراكاتنا الراهنة إن ما يجعل كل كائن مفكر يتميز عن كائن مفكر أخر هو ذلك الشعور الذي اقترن بالفكر والذاكرة أي أن ما يجعل الشخص يشعر دائما بأنه هو هو، رغم التغيرات التي تلحقه هو الشعور الملازم لتلك الأفعال عبر الزمان ومختلف الأمكنة وما يجعل هوية الشخص تمتد في الزمان إلى الأفعال الماضية هو الذاكرة.
يتضمن النص جملة من المفاهيم الفلسفية من أهمها مفهوم “الشخص” الذي عرفه جون لوك أنه كائن عاقل ومفكر قادر على التعقل والتأمل وعلى الرجوع لذاته باعتبارها مطابقة لنفسها وأنها نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ثم مفهوم “الهوية الشخصية” ويقصد به الجوهر الثابت الذي يجعل الشخص مطابق لذاته ومتميزا عن باقي الكائنات الأخرى وتتمثل في اقتران الشعور بالفكر والذاكرة. ويعرف أيضا مفهوم “الشعور” بأنه هو ذلك الإحساس الذي يسعى من خلاله الإنسان إلى معرفة النفس بأفعالها.
وللدفاع عن أطروحته وظف صاحب النص جملة من الحجج الفلسفية بداية بحجة التعريف، حيت عرف صاحب النص الشخص، ثم حجة المثال حيت قدم مثال للتذوق والشم، ثم الاستنتاج حيث استنتج صاحب النص أن ما يكون هوية الشخص هو الشعور المقترن بالفكر والذاكرة. فإذا كان جون لوك قد اعتبر أن أساس هوية الشخص هو الشعور الملازم للفكر والذاكرة فلا يمكن القول أن الإنسان قد يفقد إحساسه بأفعاله التي يقوم بها كما يمكن أن يفقد ذاكرته، فهل معنى ذلك أنه يفقد هويته؟
إن الأطروحة المعبر عنها في النص تستمد قيمتها الفلسفية بكونها أكدت أن الشخص كائن مفكر عاقل، بمعنى أنه يمتلك هوية ثابتة تجعله يدرك ذاته بأنه دائما هو هو، وتتمثل هذه الهوية في الشعور من هنا فهذا الشعور يعيد الاعتبار إلى الحواس كأساس لهوية الشخص، غير أن هذا الموقف تعرض لكثير من النقد ذلك أن الشعور أو الإحساس ليس شيئا تابتا بل إنه خاضع للتغير والزوال أيضا إذ أن إصابة بسيطة في جسم الإنسان قد تفقده الذاكرة، وبالرغم من ذلك فإنه لا يفقد هويته وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني شوبنهاور(1860-1788 ) في كتابه ” العالم كإرادة وتمثل” أن هوية الشخص لا تتحدد بالوعي والذاكرة لأن هاذين العنصرين يتجددان ويتغيران بفعل الزمان وإنما تتوقف على إرادة الحياة، فهي نواة الثابتة والجوهر الذي لا يتغير في الشخص، يقول شوبنهاور “باختصار فإنه رغم كل التحولات التي يحملها الزمان إلى الإنسان يبقى فيه شيء لا يتغير، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل وهذا العنصر الثابت الذي دائما في هوية الشخص مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان إنها تتوقف على الإرادة التي تظل في هويته مع نفسها وعلى الطابع الثابت الذي نمثله
لقد حاول كل من شوبنهاور وجون لوك تجاوز التصور العقلاني لهوية الشخص والذي مثله الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت. فقد ذهب ديكارت في أكثر من مؤلف له وخاصة كتابه “تأملات ميتافيزيقية” إلى تأكيد قدرتنا على معرفة هوية وجوهر الشخص وذلك عن طريق التفكير أو العقل بالطبيعة الروحية والذي هو جوهر الناس، فجميع الأفعال التي يقوم بها الإنسان هي أفعال تفكير وبصدد كل منها يستطيع الإنسان أن يقرر أنه موجود كشخص وليس كموضوع خارجي أو كائن حيواني، فقد عبر ديكارت عن هذا التصور بقوله أنا موجود ما دمت أفكر، فقد يحصل متى أني انقطعت عن التفكير تماما، انقطعت عن الوجود تماما ،لا أسلم بشيء مالم يكن بالضرورة صحيحا، وإذا فما أنا على التدقيق إلى شيء يفكر أي ذهن أو روح أو عقل ،وهي ألفاظ كنت أجهل معناها من قبل
فالكوجيطو الديكارتي je pense donc je suis هو خير المسالك التي يستطيع الإنسان أن يختارها لكي يعرف أن ماهيته هي العقل وهو جوهر متميز عن البدن. ورغم أهمية هذا التصور الذي يراهن على الوعي كمحدد أساسي لهوية الشخص فإنه تعرض لنقد وخاصة من لدن الفيلسوف الألماني نيتشه  (1844-1900 ) في مؤلفه بعنوان هكذا تكلم زاردتشت إذ يقول أن الإنسان المتفقه الذي يعرف يقول .أنا الجسد كله ولا شيء غيره أما الفكر أو الروح فليس سوى شيء ما في الجسد لقد اعتبر نيتشه الجسد أعظم من الوعي وليس الوعي إلا وسيلة فالإنسان في نظره لا يحيى إلا منذ اللحظة التي خلقت فيها هذه المنظومة الدقيقة من الروابط والتبادلات الحركية. فالحياة وفق نيتشه لا تكون ممكنة إلا بأجسادنا وحقيقة الذات تكمن في حقيقة الجسد فالإنسان الذي طالما عرف بالحيوان الرامز أو المتعقد الواعي الناطق. نسي أنه يشترك وبقية الكائنات في الحياة فالجسد هو قيام وجودنا وهو الضامن لاستمرارية بقاءنا وليس للوعي فضل في ذلك البتة فالكائنات وفق نيتشه تحيا وتنمو وتتغذ وتتكاثر في البقاء بمعزل عن الوعيهكذا يقترح نيتشه اتخاذ الجسد نقطة انطلاقة لفهم حقيقة هوية الشخص.
من خلال لحظتي التحليل والمناقشة تبين أن إشكالية هوية الشخص قد أفرزت موقف متباينة ومختلفة فهناك من جهة من راهن على المكونات الداخلية للشخص (الفكر، الشعور، الإرادة، لوعي) وهناك من راهن على المكونات الخارجية(الجسد)لكن الفهم الحقيقي لهذه الهوية لا يتأتى إلا بالنظر إلى الشخص كوحدة متضافرة ومتكاملة الأبعاد رغم تنوع واختلاف عناصرها وهذه العناصر ليست ثابتة أو معطاة بشكل جاهز في الذات وإنما هي مبنية بفعل تفاعل هذه الذات مع محيطها الخارجي، ومتجددة باستمرار بفعل تجدد وعيها بنفسها وبمحيطها الخارجي، ذلك أن الجسد إن كان هو الشرط الأول لوجودنا كأشخاص فهو أول ما يجب احترامه والعناية بها صحيا وأخلاقيا. لكن هذا المكون يجعل الشخص مجرد عينة بيولوجية تتحرك بمنطق الغريزة كباقي الكائنات الأخرى لذا لابد من عناصر أخرى تميزه كشخص. إنها الوعي والذاكرة والإرادة وفي غيابها تغيب الهوية. إذا ما قلنا إن للشخص هوية تابته أم متغيرة سواء ارتبطت بالوعي والفكر أو بالجسد والغير فإن هناك اتفاق على أن للشخص “قيمة ” تتعالى عن قيمة جميع الأشياء والموضوعات. فمن أين يستمد الشخص قيمته ؟

 

إغلاق