رؤى فلسفية لمفهوم التأريخية والتاريخية عند كارل ياسبرز – هبا عبد الإله يونس الخشاب

إن ما هو تاريخي تماما عبارة عن واقع إيجابي هو واقع الشعور بالوجود : وهو أصل وليس مصمتا لا يمكن للفكر الاستدلالي أن ينفذ من خلاله ، والأحرى  أن   نصفه بأنه فوق العقل بدلا من أن نسميه لا عقليا.

م.م : هبا عبد الإله يونس الخشاب / جامعة الموصل – كلية الآداب – قسم الفلسفة

 إن الوجود  عند كارل ياسبرز يكون في موقف دائما ، ويقصد ياسبرز بالموقف واقعا  حقيقيا أمام ذات تهتم بذلك الموقف من حيث هي “كائن”حيث يفرض الموقف على الذات إما حدا مقيدا وامتدادا في التصرف ويمكن أن تتعدل المواقف ،أو أن تقلب قلبا ، ولكن هناك أيضا مواقف مطلقة ، هذه هي ” المواقف الجدية ” التي لا نستطيع لها تعديلا ، وهي نهائية ، وأمامها نجد أنفسنا في الفشل هذه المواقف  ليست موضوعا للمعرفة، وإنما الوجود وحده هو الذي  يمكن أن يشعر بها ، تلك المواقف الحدية ها هي : أن يكون الموجود دائما
 في موقف محدد ، الموت ، الألم ، الصراع ، والخطيئة ، إننا نرد على المواقف الحدية بتنمية الوجود فينا وهكذا نصير نحن أنفسنا حين ننفذ والعيون مفتوحة في قلب المواقف الحدية  لك  ,وعند ياسبرز  ولكي تتحق الآنية    تحقق الوجود العيني ” الواقعة المحددة  نجده يحدد طريقتان أمام الآنية لكي تربط بالزمان : الطريقة التأريخية والطريقة التاريخية والوعي  التأريخي هو علم التاريخ ، أي علم ما حدث فحسب أعني ما نتضمنه الصورة البانورامية للعالم والتعاقب الزماني للحوادث كما تفسره مجموعة العلل الموضوعية ، أما الوعي التاريخي فيختلف عن ذلك كل الأختلاف  :  فهو الشعور  الذي  تملكه  الأنا  عن حقيقتها في مظاهرها المتباينة وهذا الشعور التاريخي بالوجود شخصي في جوهره :  وبواسطته   أدراك    نفسي   في الاتصال  بغيري من الأشخاص التاريخيين وفيه يرتبط الوجود والمعرفة منذ البداية ارتباطا لا ينفصم وأشد الأشياء يقينا  ووضوحا  في  الوجود   هو  في نفس الوقت نفسه  أقل   الأشياء  قابلية   لأن  يوضع على صورة النظرية ،  أن تحقق الوجود ككل لا يتم إلا في إطار المواقف الحدية بعبارة أخرى فإن الوجود الحقيقي  هو الواقع التاريخي الذي يتوقف عن الكلام ، ذلك أن الوجود ذو طابع  أنا ذاتي  في الزمان  : هذان الجانبان ما هما  الإ  نفس الشيء في الأصل  في  الوعي الوجودي . إن التاريخية هي الاتحاد ما بين الكائن الخام وبين الوجود وما بين الضرورة وبين الحرية بقدر ما أن  الضرورة المطلقة والحرية بغير حدود كلاهما على السواء ممتنعان في الوعي التاريخي ، إن الوجود لن يكون  شيئا إن لم أكن ” موجودا”  لأنه  لا يكون وجود بغير الكيان الخام الموجود وفي نفس الوقت فلن ” أكون ” إن  لم أكن وجودا ،  فالتاريخية إذن  هي اتحاد ما بين الزمان والأبدية إن الوجود  لا هو غياب الزمان ولا هو الزمانية من حيث هي محض  زمانيه   وإنما هو هذا في ذاك هذه الخاصة التي للوجود تنكشف في اللحظة التي هي علاقة  هوية ما بين الرمانية  و اللازمانية  هي تعميق اللحظة الفعلية في صميم الحاضر الأبدي ومن الواضح أن الوعي التاريخي لا يدرك  الإ الموجود الفردي وحده وليس الكلي على الإطلاق ، وعلى ذلك فإن التاريخية ليس من الممكن التفكير فيها ولهذا السبب فإنها ليست مع ذلك لا عقلية ، لأن اللاعقلي هو أمر سلبي تماما بينما التاريخية هي ساند وعي الوجود هي المنبع وليس الحد الأصل وليس مجرد فضلة باقية ، ونتيجة لهذا الأصل نفسه ، أيكون ما هو تأريخي تاريخيا أولا ، وإلا كان له معنى أي حدث كان ، أعني معنى الحدث العام الاشخصي القابل للاستبدال ، وإذن معرفة تأريخية ( وبالتالي نظرية ) يجب أن نشير – وراء التركيبات التي ينشئها العلم – إلى الوجود الممكن الذي هو منبعها الأول والذي في كل مرة أشعر فيها في داخل نفسي بالعلو أعني أشعر بأن المعطى والموقف والواجبات التي على عاتقي باعتبار أنها عملي الشخصي إلى أقصى حد ، وبحيث تصبح  صورة لوجودي ، فالتاريخية هي إذن التطابق والوحدة بين ” أنا ” ي الشخصية والإحساس بهذه الوحدة هو الشعور التاريخي  وهكذا تنحل الثنائية المتسمة بالتناقض والتي فيها لا أكون إلا آنية  زمانيه ،  ولا أكون مع ذلك  في الوقت نفسه في الزمان ، ولكنني موجود على نحو تكون فيه الآنية  بمثابة تحقق للأنا  اللازمانية ، ولما كانت التاريخية هي بالضرورة وحدة الآنية والوجود ، فإنها لا تستطيع أن تتجاوز  الآنية لكي تتحق إذ أنها بغير الآنية تخرج من العالم وتغرق في الفراغ ، ومن جانب أخر  يعد ياسبرز التاريخية وحدة الضرورة والحرية  وهي وحدة الزمان والسرمدية  وعلى هذا فإن اللحظة بوصفها هوية ما هو زماني وما هو لا زماني تصبح حاضرا سرمديا وأنا بواسطة الشعور التاريخي أحصل في وقت واحد على الإحساس بأنني  مظهر  يمضي وبأنني  بهذا المظهر نفسه ” موجود أبدي” وعلى هذا النحو يبدو أن ما هو فريد في وجودي أنا التجريبي تعبير عن الأبدي : وهذه الأبدية ترتبط ارتباطا مطلقا بهذه اللحظة نفسها ، وليست الديمومة الزمانيه  غير التتابع التاريخي لهذه اللحظات مجتمعة معا وليست الديمومة الحقيقية التي تمتد بين البداية والنهاية سوى تحقق الوجود ، أعني أنها في قلب الامتداد الزماني  المجتمع  في اللحظة عبارة عن امتلاء لا   زماني، والواقع أن ” التاريخي ” ليس هو اللاعقلي ولا هو الفردي وأن ما هو تاريخي في الوجود ليس قيمة عامة : فهو من هذه الجهة ” لا عقلي ” ولكنه ليس عقليا بالمعنى السلبي الذي نستخدمه عادة لمعارضة غير المحدد بالمحدد ، والتعسفي بالقانوني والصدفة بالضرورة ، فاللاعقلي إذا فهمناه على  هذا النحو ليس سوى حد للمعرفة يستخدمه الفكر ليتقهقر دائما وعلى العكس من ذلك فإن ما هو تاريخي تماما عبارة عن واقع إيجابي هو واقع الشعور بالوجود : وهو أصل وليس مصمتا لا يمكن للفكر الاستدلالي أن ينفذ من خلاله ، والأحرى  أن   نصفه بأنه فوق العقل بدلا من أن نسميه لا عقليا.
 
المصادر :
1.  بوشنسكي ،  الفلسفة المعاصرة في أوربا ،  ترجمة : د. عزت قرني ،المجلس الوطني للثقافة والفنون و الآداب –   الكويت ،  (ب.ط) ، 1992، ص 252 .
2. ربحيس جوليفيه ، المذاهب الوجودية من كيركجورد الى جان بول سارتر ، ترجمة :  فؤاد كامل ،  دار الأداب – بيروت ، ط1 ، 1988،    ص 205.

 

إغلاق