إننا نوجد بما نحن قادرين  على التخلي – أسامة الدرقاوي

إننا نوجد بما نحن قادرين  على التخلي – أسامة الدرقاوي

( إننا نوجد بما نحن قادرين  على التخلي )

أسامة الدرقاوي

إن الذات وهي تندفع الى هذا العالم ( الرمي في الوجود ) على حد تعبير هايدغر ، تكون محملة بغرائزها الطبيعية التي لا جناح عليها
إنها تكون إزاء الفطرة أو الجبلة،حيث تسعى الذات الى  امتلاك الأشياء الخارجية عنها .

إنها والحال  تؤتت فضائها العام وحيزها الزماني ، بالاحاطة بالأشياء أو السعي الى امتلاك ما لم يتأتى امتلاكه .
وعليه تكون الذات هنا تجسيدا للعبارة الارسطية ( الطبيعة تخشى الفراغ ) ؛
الذات هنا تريد ملىء فراغاتها ( الوجود بما هو موجود ) ، غير أن فعل الوجود هنا  منوط بامتلاك ما يوجد، وعليه لنا أن نتساءل انطلاقا من هذا المقتضى: هل وجود الذوات ينبني كوجود أنطولوجي مريد أم أنه ينبلج كشكل عرضي لظاهرة الحياة.؟
إزاء هذا التساؤل لا محيد من استحضار الكوجيطو الديكارتي (أنا أفكر إذن إنّي موجود)
إن العبارة الدالة أعلاه انما هي تعلي من مسلمة العقل،حيث أن  الوجود في العالم يتجسد انطلاقا من استدلالات العقل وحده ،غير أن هذه العقلانية الديكارتية بقدر صرامتها المنهجية ستجد نقدا لاذعا من النزعة  الوجودية على يد أب هذه الأخيرة سورين كيركجارد الذي يفصح بوضوح ناسفا الكوجيطو الديكارتي بقوله ( كلما ازددت تفكيرا كلما قل وجودي ) وبذلك يكون هنا كيركجارد يقلب الطاولة على مفهموم الوجود بما هو عقل عند ديكارت يقصي أي ظواهر للإنفعالات والغرائز  في سبيل  تحصيل الوجود ،ونجد سلف كيركجارد الا وهو هايدغر يتتم هذه الدعاوي بزفرته التي يرى فيها ان ( الانسان يعاشر الأشياء وليس عارفا لها ) .
إنه وباستحضارنا هؤلاء الفلاسفة إنما مرّده تبيان البعد الأنطولوجي الذي ثم معالجته من لدن الفلاسفة لمفهوم الذات وعلاقتها بالوجود ،ونحن انطلاقا من القول الاستهلالي السابق
( اننا نوجد بما نحن قادرين على التخلي ) انما هو قول في عموميته تجريدي لكنه في نفس الوقت يكتنف بعدا عمليا ،وهذا البعد هو ما يهمنا كإجابة على  التساؤل السالف الذكر .
إن فعل التخلي ، الترك ، انما يمثل وجودا أصيلا للذوات بما هي ذوات مريدة راغبة؛
غير أن لها سلطة اقتدار على رغباتها .
هذه القدرة على الاحجام والاعراض والتخلي والترك ، انما هي تجسد بعدا مراسيا تنحوه الذوات في سبيل تحقيق وجود أصيل ،خلافا لوجود ذوات متهافتة على سلطة الأشياء .
إن فعل الترك ينبري كحدث انطولوجي يمثل نقيض الامتلاك أو الامتلاء، انه يمثل حالة خواء ، حيث يكون الحيث الزماني للذوات لا ينبني على عامل  النسيان ،بمعنى أن تترك هو أن تنسى ،لأن النسيان هي قسمة عادلة بين جميع بني البشر وأيضا النسيان ليس علامة على سلطة اقتدار في الوجود من الذوات .
الترك ينبني على اقتدار مريد من ذوات تنحو لكي تحقق وجودا فريدا.

إغلاق