الوباء  وأزمة الفرد – أسامة الدرقاوي

الوباء  وأزمة الفرد – أسامة الدرقاوي

أسامة الدرقاوي : باحث في الفلسفة

 

إن هذا الوباء الذي يطوق البشرية جمعاء ،يجسد “حدثا” غير مسبوق من حيث فتكه الكوني العابر للقارات وذلك بصيغته اللامرئية المرعبة ؛ فهو خفي ويهاجم بشكل شرس إذ هو أكثر تطورا من حيث مستجداته التي لازال العلم يتقصى حقائق حولها .

غير أننا الآن لن نتحدث عن الوباء بحد ذاته فلقد قيل فيه ما يكفي من لدن أهل العلم وحتى عامة الناس ،إذ انه ليس مخصوص على محيط بشري دون الآخر ، كما كان مع بعض الفيروسات التي مرّت كالحمى الاسبانية ومرض الايبولا الافريقي والفيروس الذي انتقل من الابل في الشرق الاوسط وغيره..
بل الامر أبعد من ذلك مع هذا الوباء من حيث كونيته.

إن ما دعانا للحديث عن هذا ” الحدث” هو الطبيعة السلوكية والعلائقية للمجتمعات البشرية التي طرأ عليها تغير شامل بدأً بأبسط السلوكات التي لم نكن نضرب لها حسابا فصرنا أشد الحرص على القيام بها .. أضحى الانسان تحت لسان نيتشة” يعيش في خطر ” لكن بفارق! فنيتشة يدعونا الى الاقبال على الخطر غير ان واقع الحال مع هذه الجائحة هو أن الخطر أتى الينا بالاكراه وعليه فإن السلوكات الانسانية انقلبت رأسا على عقب لكي تجابه هذا الخطر .
إذ اصبح الحذر الشديد من أي موجب ما حيث تكون الاستجابة التحوّط بكل طرق الوقاية منه ،وأيضا نرى النزوع الى التهافتية الاستهلاكية وتخزين المواد الغذائية كأننا في زمن “الابوكاليبس” وكذا الريبة والشك والخوف من أي جسم ما محتمل أن يتهددنا .

أما على الصعيد النفسي فان ( الانا) في خضم هذا المتغير أصبحت تنحو الى ان تصير أنا-وحدية* غير انها ليست أنا-وحدية من منطلق نرسيسي وجداني بل نزعت لذلك من منطلق حيوي يتأسس على حفظ النوع وبذلك يمكن لنا ان نستحضر النظرة السارترية التي ترى في الآخر جحميا ،للأنا ولكن الجحيم هنا ليس بالمعنى الانطولوجي الذي أورده سارتر بل إن الآخر أصبح جحيم-بيولوجي يهدد وجود الأنا بشكل مادي صرف.

ولئن نظرنا الى مقولات التشيء في ظل هذه الجائحة بدلالتها النفسية الذات عينها الاخر،لنجد أننا في منزلق اغتراب قائم كما أوردنا على أنا-وحدية تعيش في وجود أصبح هو الآخر قائما على قوة الاكراه بالكارثة .
انه زمن فرداني يتأسس، ويتوجس كل التوجس ( بالآخر) الآخر الذي قد يأخذ تعريفا راديكاليا مع الجائحة ؛حيث لن تبقى لفظة الآخر منوطة ‘لأنا’ مغايرة عني بل الآخر في كليته سواء كان جسما ما أو جسدا! اعتبارا أن كل شيء يمكن ان ينذر بالعدوى.

هي نظرات متقاطعة ،اذ أن الانفعال الموضوعاني بدأ ينسحب في زمن الانفعال-الفرداني حيث ذوات جديدة تتشكل وتعود الى الجبلّة الأولى ،الرمي في الوجود كما قال هايدغر ، هذا الوجود الذي له لغة واحدة بعيدة كل البعد عن المنطقية وهي لغة تصارع الاضداد ان منطقيته ليس قواهما العقل ،بل نواميس الطبيعة وتكمن في صيرورته التي ما تلبث تفاجئ الانسان .
إذن ،ماذا بقي ل” الآنا” غير تدبير حيز من الزمان والمكان يعبر عن خلاص ولو حتى إن كان مؤقتا حيث تبقى كل آناة تُدبّر حيزها الزماني والمكاني بشكل مستقل عن ذوات أخرى .

إن الكينونة الفردية، اصبحت كسولة نوعا ما اتجاه الوجود أو لنقل بفضل هذا التسارع العولمي الذي استغرق في تعليب العقول وتسليع القيم وطرق العيش حتى أضحى الفرد يشتري مسكنات لخلاصه كلما وجد نفسه في مأزق وجودي ما. ولعمري هذا هو الفارق الذي أدى بالنزوع للكسل في مجابهة الاخطار المحدقة … فلامناص من أن القطيع يبقى دائما قطيعا يقتات في الأكمة اما الاسد هو وحيد بين الاحراش والفخاخ يترصد الطرائد .

إغلاق