اللغة والسلطة

اللغة والسلطة

المفهوم: مفهوم اللغة

المحور الثالث: اللغة والسلطة

اللغة والسلطة

التأطير الإشكالي للموضوع

“الكلمات مسدسات محشوة بالذخيرة، والكاتب متى تكلم فقد أطلق النار.” ( جان بول سارتر)

لا يختلف اثنان في أهمية اللغة، فهي بيت الوجود ومعقله،  كما أنها تعتبر أبرز وأرقى أشكال الثقافة، بالإضافة إلى أنها تعتبر الوسيلة التي يتم من خلالها التعبير ويتحقق من خلالها التواصل سواء بين الإنسان وذاته أو بينه وبين العالم الخارجي. لكن وظيفة اللغة لا تنحصر تلك الوظائف، بل تتجاوزها إلى وظائف أخرى، نذكر هنا وظيفة السلطة، سواء تعلق الأمر بسلطة اللغة ذاتها، أو بسلطتها الاجتماعية والسياسية والايديولوجية. هكذا إذن يمكن أن نتساءل:

ما السلطة وما اللغة؟ وما طبيعة العلاقة بين اللغة والسلطة؟ هل تمارس اللغة سلطة ما على الإنسان؟ وفيم تتجلى سلطة واللغة؟ وكيف تمارس سلطة على الإنسان؟ هل تتجلى سلطة اللغة في قواعدها وضوابطها أم في وظائفها الاجتماعية والسياسية والايديولوجية؟

تعريف مفهوم اللغة ومفهوم السلطة

تعريف مفهوم اللغة

تحضر اللغة في دلاتها العامة باعتبارها كلاما، وباعتبارها تلك “القدرة الخاصة بالنوع البشري، على التواصل بواسطة نسق من العلامات الصوتية (اللسان)، وهي قدرة تستخدم تقنية جسدية معقدة، وتفترض وظيفة رمزية، ومراكز عصبية متخصصة وراثيا“. وهو نفس التعريف الذي نجده في موسوعة لالاند الفلسفة، حيث تشير اللغة: “وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا”.

لكن اللغة لا تنحصر في الكلام، بل تشمل كل الأنظمة الرمزية التي يستعملها الإنسان من أجل التواصل والتعبير عن الفكر داخليا وخارجيا، وبتعبير آخر، وكما ورد في موسوعة لالاند، فاللغة هي : “كل نسق من العلامات يمكن أن يتخذ وسيلة للتواصل”.

تعريف مفهوم السلطة

السلطة هي القدرة التي يتوفر شيء أو شخص، فتمارس تاثيرها على الفرد وتوجه تصرفه وتحدده.

بعض التصورات والمواقف الفلسفية حول علاقة اللغة والسلطة

1 – موقف جورج غوسدورف: سلطة اللغة والكلمات

ذهب الفيلسوف الفرنسي جورج غوسدورف في كتابه “الكلام”، إلى أن اللغة تمارس سلطة على الإنسان، وهذه السلطة مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية وبالتراتبات الاجتماعية، فالكلمات التي نتواصل عبرها، ونبلغ بها أفكارنا أو نستقبلها، تفرضها طبيعة العلاقة الاجتماعية ويفرضها التراتب الاجتماعي والنظام الاجتماعي الذي يخضع لسنن محدد من الكلمات والتسميات. في السياق ذاته يؤكد غوسدورف ، أن اللغة باعتبارها قوة موجهة، تعرفنا على ذواتنا وتعمل على تحديد هويتنا، كما أنها توجه وعينا وتحكمه.

ولتأكيد سلطة الكلمات وتأثيرها على الفرد، يستحضر مثال الحالة التي لا يتم فيها مناداة الزوجة للزوج باسمه، فإنه يشعر بالقلق، لأنها لم تحترم نظام التراتبات الإجتماعية. وهذا يوضح بشكل جلي ما تمارسه الكلمات من تأثير وسلطة على الأفراد.

2 – موقف فريدريك نيتشه: اللغة أداة للهيمة والسيطرة.

في كتابه جينالوجيا الأخلاق، يرى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه أن اللغة هي أداة لممارسة السلطة واستمرارها، فاللغة من منظور فيلسوف المطرقة، تتحدد في خضم الصراعات بين العبيد والأسياد، إذ يكون الحق في التسميات للأسياد، فنجدهم –حسب نيتشه- يحددون الطيب ويحددون الخير والشر…

وحتى يتضح هذا القول، يمكن أن نقف عند قول نيتشه التالي: “الطيبون أنفسهم، أي البشر الأقوياء… هم الذين اعتبروا أنفسهم “طيبين” وحكموا على أفعالهم بأنها طيبة”. ومضمون هذا القول، أن الطيب ليس طيبا في ذاته، وإنما نحن ننظر إليه على أنه طيب، والذي جعلنا ننظر إليه على أنه طيب هم الأقوياء، فالأقوياء حسب نيتشه هم من جعلوه طيبا، وكذلك بالنسبة للخير، الشر….

وبهذا يكون نيتشه قد نظر للغة باعتبارها أداة للسلطة ووأداة لاستمرار السلطة والهيمة..

3 – موقف رولان بارط: واللغة والسلطة والإديولوجية

المفكر الفكر الفرنسي ، والباحث السيمولوجي رولان بارط، هو الآخر أكد على وجود ارتباط بين اللغة والسلطة، وهو ما يمكن أن نستشفه في كتابه “لذة النص”. ففي كتابه لذة النص يؤكد بارط أن اللغة ترسو في السلطة عبر آلية التكرار، والذي يسمح بتكرارها، هي المؤسسات، والتي نجد من ضمنها: المدرسة، الرياضة، الإشهار الأعمال الجماهيرية، الأغنية الإعلام…  فهذه المؤسسات تعمل على تكرار لغة ما، وبالتالي حفظها وجعلها ترسو مقارنة بلغة أخرى، وهذا ما جعل بارط يعتبر اللغة أداة إيديولوجية.

ومنه يمكن أن نؤكد أن حديث رولان بارط عن ارتباط اللغة بالسلطة، هو حديث عن ارتباطها بالسياسية وبالمؤسسات السياسية.

4 – موقف بيير بورديو: اللغة والشروط الاجتماعية

ووفق منظور عالم الإجتماع الفرنسي بيير برورديو، فهناك ارتباط بين السلطة واللغة. حيث ذهب في كتابه الرمز والسلطة، إلا أن سلطة اللغة تستمد من خارج اللغة، أي من الواقع الاجتماعي، وخاصة من الشروط الإجتماعية، وليس من اللغة ذاتها ولا من وقواعدها وبنياتها أي من داخل اللغة. إن الشروط الاجتماعية هي التي تتدخل في استعمال اللغة واستخدام الكلمات.

إن استعمال اللغة وكما يؤكد ذلك بيير بورديو، يتوقف بالأساس على المقام الاجتماعي للمتكلم، وهذا المقام هو الذي يحدد مدى إمكانية الشخص في استعمال لغة المؤسسة واستخدام الكلام المشروع،  والنطق باسم الجماعة التي أسندت إليه السلطة.

خلاصة تركيبية

استنادا إلى ما سبق، يتضح أن هناك ارتباطا بين اللغة والسلطة، فاللغة سلطة، من حيث قواعدها وضوابطها وما تحمله من قيم معايير، كما أنها سلطة من حيث استثمارها في ممارسة السلطة، سواء تعلق الامر بالسلطة الاجتماعية أو بالسلطة السياسية، أو تعلق بسلطة المعايير والقيم.

ومنه يتضح أن الفلسفة قضية فلسفية بامتياز، نظرا للإشكالات التي تطرحها، والتي تلامس ما هو أخلاقي وما هو اجتماعي وما هو سياسي… وبالتالي فالتناول الفلسفي للغة هو تناول لموضوع الإنسان في مختلف أبعاد وجوده.

 

 

إغلاق