اللغة والفكر – مفهوم اللغة

اللغة والفكر – مفهوم اللغة
  • المادة: مادة الفلسفة
  • المفهوم: مفهوم اللغة

المحور الثاني: اللغة والفكر

تحليل نص موريس ميرلوبونتي

معاينة نص ميرلوبونتي

تعريف الفيلسوف

موريس ميرلوبونتي، فيلسوف فرنسي عاش بين سنتي 1908 و1961م، من أهم ممثلي الاتجاه الفينومينولوجي بعد الفيلسوف إدموند هوسرل. من مؤلفاته نذكر: كتاب  المعنى واللامعنى، كتاب العين والفكر.

التأطير الإشكالي للنص:

لم يشتهر الإنسان في الفلسفة بشيء مثل اشتهاره بكونه كائنا مفكرا، له القدرة على ممارسة التفكير في ذاته ووجوده، وليس عبثا أن اعتبر الفيلسوف الفرنسي ديكارت الفكر أساس الوجود، واعتبره جوهر الذات وحقيقتها. لكن الإنسان ليس كائنا مفكرا فقط، فهو إضافة إلى ذلك يعتبر كائنا لغويا، لأنه ينتج اللغة، ويستعملها كأداة للتواصل والتعبير، كما أنها تعتبر بيت الوجود على حد تعبير مارتن هيدغر، لأنه تحمل الوجود وفي غيباها يغيب الوجود. لكن الإشكال المطروح هو علاقة اللغة بالفكر، إذ نجد أنفسنا بين موقفين ومتباينين ومتعارضين، موقف يؤكد أن اللغة هي أساس الفكر، وموقف يرى عكس ذلك، ويرى أن الفكر سابق عن اللغة، وأن اللغة لا تستطيع دائما التعبير عن الفكر. هكذا يحق لنا أن نتساءل:

ما اللغة وما الفكر؟ وما طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر؟ هل هي علاقة اتصال أم انفصال؟ وأيهما أساس الآخر والسابق عليه، هل هو الفكر أم اللغة؟

أطروحة النص مع شرحها:

جوابا عن الإشكالات المطروحة، يؤكد موريس ميرلوبونتي على أطروحة مضمونه أن الكلام والفكر نفس الشيء، فاللغة جسم الفكر وحضوره في العالم. ومضمون هذا القول أنه لا يمكن الفصل بين اللغة والفكر، وأن العلاقة بينهما هي علاقة تلازم، فاللغة والفكر متلازمان ولا يمكن أن يحضر أحدهما دون الآخر.

تحليل أطروحة النص

  • من حيث البنية المفاهيمية.

تنبني أطروحة النص على عدة مفاهيم، لعل أبرزها مفهوم الكلام ومفهوم الفكر، لأن النص يؤكد أن الكلام والفكر متلازمان. ولو أردنا تعريف الكلام، فسنجد أنه يعني اللغة المنطوقة، وهو إنجاز مادي للسان يصدر عن الفرد المتكلم. أما بالنسبة للفكر فيطلق في معناه العام على كل الظواهر العقلية (الفهم، التصور، الشك…) وقد يرادف العقل أحيانا. ويتضح من خلال مضمون النص أن هناك علاقة تلازم بين الفكر والكلام، فلا يمكن أن يوجد أحدهما في غياب الآخر.

  • من حيث البنية الحجاجية:

للدفاع عن أطروحته بخصوص علاقة اللغة بالفكر، وظف صاحب النص بنية حجاجية، وهو ما سنوضحه عبر ما يلي:

استهل صاحب النص  نصه بنقد المواقف التي تجعل الكلام علامة على اللغة، ويؤكد أن العلاقة بينهما لا تشبه علاقة الدخان بالنار، فإذا كان الدخان علامة وإعلان عن وجود النار، فاللغة ليست علامة على الفكر. وذلك لأن علاقة الكلام بالفكر ليست علاقة خارجية، كما أنهما ليسا موضوعين منفصلين. وفي هذا السياق يؤكد صاحب النص أن العلاقة بين الفكر واللغة هي علاقة تضمن، فكل منهما متضمن في الآخر.

إضافة إلى ذلك، نجد صاحب النص يؤكد أن الكلمات ليست معقلا للفكر، كما يؤكد أن الفكر لا يجد معناه إلا في الكلمات.  لأن الكلمة هي حضور الفكر في العالم المحسوس، وأنها شعاره وجسده…

في السياق ذاته، نجد صاحب النص ينفي أن يكون الفكر شيئا داخليا، كما ينفي أن يوجد خارج العالم والكلمات. ويعلل قولها هذا بأن ما يخدعنا ويجعلنا نعتقد أن الفكر شيء داخلي، هو الأفكار التي سبق وكوناها وعبر عنها والتي يمكن أن نتذكرها، فهي التي تجعلنا نتوهم أن لدينا حياة داخلية. وفي مقابل ذلك، نجد صاحب النص يؤكد أن الصمت مليء بالصمت، وأن الحياة الداخلية ما هي إلا لغة داخلية.

وينتهي صاحب النص إلى أن الفكر والتعبير يتكونان في الآن نفسه، أن أنهما متلازمان، وكل منهما يتضمن الآخر.

  • مناقشة نص موريس ميرلوبونتي

أهمية وحدود الموقف:

لا ننكر الأهمية الفكرية والمعرفية لموقف النص، فهو يقدم لنا تصورا وجوابا عن الإشكال المطروح، وعن علاقة اللغة بالفكر. كما أنه موقف يوضح ويكشف لنا عن علاقة الفكر باللغة وبالكلام… إضافة إلى ذلك، فالتأكيد عن عنصري اللغة والفكر تأكيد على ماهية الإنسان وحققته باعتباره كائنا مفكرا ولغويا. ولا نختلف مع موقف النص في أهمية الكلمات بالنسبة للفكر، فهي الوسيلة التي يمكن اعتمادها كأداة للتعبير عن الفكر داخليا وخارجيا.. لكن الأهمية التي يكتسيها هذا الموقف لا تمنعنا من نقده وتبيان حدوده. وفي هذا السياق يمكن أن نتساءل: هل اللغة قادرة على التعبير بشكل كلي وشامل عن الفكر؟ لما نعجز أحيانا عن التعبير عن ما نشعر به ونفكر فيه؟

موقف هنري برغسون: فشل اللغة في التعبير عن الفكر

جوابا عن هذا السؤال نجد مجموعة الفلاسفة يؤكدون أن اللغة كثيرا ما تعجز عن التعبير عن الفكر في كل أشكاله وتجلياته، وهو ما يعتبر نقدا لموقف النص. وفي هذا السياق يمكن استحضار موقف الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، الذي يرى أن اللغة لا تستطيع التعبير بعمق عن كل ما يجري  في الحياة النفسية للفرد، كما يرى أنها عاجزة على امتلاك الفكر. إضافة إلى ذلك، يرى برغسون أن أننا لا نستطيع أن نترجم بشكل كلي ما تشعر به نفوسنا، ولذلك فلا يمكن أن نعتمد اللغة كمقياس للفكر. ومن بين الحالات النفسية الوجدانية التي تعجز اللغة عن التعبير عنها بشكل مطابق لحقيقته، يتحدث برغسون عن الشعور بالحب والشعور بالكراهية، فكل الناس يعتمدون نفس الكلمات في التعبير عن ذلك الشعور، لكن تلك الكلمات لا تعكس تلك التجارب الشعورية في كليتها. إضافة إلى ذلك، يعود برغسون إلى تجربة الرواية، فكاتب الرواية يحاول التعبير بواسطة اللغة عن العالم الذي يشتغل عليه، وترجمته إلى عالم ذي طابع حي ومتفرد، لكنه يفشل في ذلك. والذي يجعل اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر، هو أنهما مختلفان في طبيعتهما، فالفكر يتميز بالحيوية والتفرد، أما اللغة فهي لا تتصف بتلك الصفات، فهي مجموعة من الكلمات المكدسة تربط التفاصيل الصغيرة القريبة من بعضها البعض.

خلاصة تركيبية

نخلص من خلال ما سبق أن علاقة اللغة بالفكر علاقة معقدة، علاقة متعددة الأوجه. فالعلاقة بين اللغة والفكر كما رأينا مع موريس ميرلوبونتي علاقة تلازم وتضمن، من حيث أنهما متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما. لكن من وجهة نظر مجموعة من الفلاسفة كهنري برغسون، فاللغة لا تتضمن الفكر، كما أنها ليست جسده، كما أنها لا يمكن أن تعبر عن الفكر في كليته وحيويته، لأن اللغة تبقى محدودة في كلماتها، وهذا ما يجعل اللغة عاجزة عن امتلاك الفكر وعن التعبير عن الحالات النفسية في كليتها وديمومتها.

 

 

 

إغلاق